“نقطة على الحرف” – الحلقة 1350
كي لا نَـخـسَـرَ الأَملَ بالوَطَن: المطلوبُ صُنَّاعُ وَطَن
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــد 4 آذار  2018

طالما “المحادل و”البوسطات” باقيةٌ كما هي…

         يومًا بعد يوم، وحتى نهاية المهلة بعد يومين، يتوالى على وزارة الداخلية تَدَفُّـقُ الترشيحات للانتخابات النيابية في 6 أَيار المقبل.

         وعلى تسعة أَسابيع من اليوم، لم نقرأْ برنامجًا جديًّا واحدًا لأَيّ مرشَّح تقليديّ يتقدَّم على أَساسه من ثقة الشعب به، غيرَ كلماتٍ فولكلورية كرنفالية مأْلوفة معروفة مكررةِ الوعود والعهود، من هُنا عدمُ اندهاشنا من تَوالي الترشيحات بأَسماء لم تتغيَّر، ووجوهٍ لم تتبدَّل، ومقاعدَ لن تتجدّد، ومرشحين تابعين، وزعماء متبوعين، وإِذا غاب منهم أَحد أَحضر لنا ابنه، وإِذا عزَف أَحدٌ حلَّ مكانه آخَرُ من نوادي السياسيين التقليديين، في انتخاباتٍ “ديمقراطية” ليس فيها ديمقراطيٌّ إِلَّا اسـمُها.

         ومَن “أَبدع” هذا القانون النسبي كي يَـمنَعَ “الـمَحادل” و”البوسطات”، قد لا يكون تَنَبَّهَ – أَو لم يَشأْ أَن يتنبَّه – إِلى أَن النسبية تُـجدي في بلدان تُعطى فيها فرصةُ الوصول لـمُرشحين جدُد، أَو لديهم برامجُ يستنسب الناخبون أَحدَها ليختاروا مرشَّحَهم ويُعطوه صوتهم التفضيلي.

         أَما أَن يكون المرشَّحون هُمْ هُمْ، أَمس واليوم وغدًا، فأَيُّ فرق بين صوتٍ تفضيلي وآخر، بين هذا أَو ذاك أَو ذلك، طالما “الـمحدلةُ” باقيةٌ للمُمْسكين بها، و”البوسطةُ” باقيةٌ بما فيها ومن فيها، واللوائحُ ذاتُ رئيس ومرؤُوسِين، أَو ذاتُ رأْس وأَطراف، أَو ذاتُ أَسماءِ سياسيين هُم ذاتهم تغيَّرت لوائحهم ولـم تتغيَّر ملامحهم، وفي معظمهم حتمًا لن يكُونوا صُنَّاع الوطن ولا بُدّاع أَمل الوطن.

         قرأْتُ قبل فترةٍ إِعلانًا عن الدورة الثانية لـمُبادرة “صُـنَّاع الأَمل” التي أَطلقَها حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تشجيعًا “برامجَ ومشاريعَ ومبادراتٍ إِنسانيةً ومجتمعيةً لـمُساعدةِ الناس ونشْرِ الأَمل وترسيخِ قيَم الخير والعطاء، وتعزيزِ الإِيجابية والتفاؤُل، وتكريسِ واقعٍ أَفضلَ في حياة الناس وصناعةِ الفرق في حياتهم، وذلك عبْر مبادرة أَو مشروع تعليمي أَو صحي أَو بيئي أَو تثقيفي أَو توعوي أَو تنموي، من أَجل الارتقاء بواقع العيش وتحسين جودة الحياة”. وفي منطق المشروع أَنّ “صُنَّاعَ الأَمل هُم صُنَّاع الحضارة، وتاليًا هم صُنَّاع المستقبل”.

         فأَين عندنا بين المرشَّحين لمقاعد 7 أَيار من يقدِّم برنامجًا أَو مشروعًا أَو فكرةً لتحسين جُودة الحياة في لبنان، ورفْع هذا الضغط عن اللبنانيين الذي لا يعرفهم سياسيُّوهم إِلَّا ليَخْطُبوا وُدَّهم من أَجل ورقة تسقُط في صندوقة الاقتراع، وغالبًا ما تسقط معها كلُّ كرامة لأَن معظم المرشَّحين يَسُوسون الناس قطعانًا، ولأَن معظم الناخبين راضون أَن يكونوا تلك القطعان.

         وما دام الأَمر كذلك، ففجْر 7 أَيار لن يكون يومًا جديدًا، بل نسخةً مكرَّرةً مملَّةً عما قبل 7 أَيار وكلِّ قبْلٍ قبْلَهُ وكلِّ بَعْدٍ بعْدَهُ، حتى يكون يومٌ لا يعود فيه مواطنون قُطعان، ولا سياسيون رؤَساءُ قبائل ولا أَصحاب مزارع ولا أَولياء عشائر.

         فَلِكَي لا نخسر الأَمل بالوطَن: المطلوبُ صُنَّاع وطنٍ نُـخْـبَـوي وليس صُنّاعَ زمنٍ انتخابي.

         وعندها فقط يُقْبِلُ لبنان على انتخاباتٍ تنقُله فعلًا إِلى فجرٍ جديدٍ لـيومٍ جديد.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib