عَذاباتُ الـمُواطن بـين الكابوس والرابُوص والروباص
في القاموس اللغوي أَنّ “شلَلَ النوم” كابوسٌ يسمِّيه العامَّةُ “الرابُوص” أَو “أَبو رابُوص” أَو “الجاثوم”. وكان العرب يفسِّرون هذه الحالة بأَنَّ “جنِّــيًّـا يتربَّص بالإِنسان أَو يَـجـثـمُ على صدره”.
يقول ابن سينا في كتابه “القانون” عن “الرابُوص” إِنه يسمّى “الخانق”، وهو “كابوسٌ يتعرّض له الإِنسان عند دخوله في النوم، فيُحسُّ كأَنَّ ظِــلًّا ثقيلًا وقَع عليه يعصُره ويُضيِّق نفَسَه فيَنقطع صوتُه وحركتُه، ويكاد يختنقُ لانسداد الـمَسام، وهو مقدمةٌ لإِحدى العِلَل الثلاث: الصَرع والسكتة (القلبية أَو الدماغية) والهلوَسَة.
إِذًا هذا “الرابُوص” يُصيب النائِمَ ليلًا. لكنه في لبنان يسجِّلُ “ساعاتٍ إِضافيَّةً” فيشتغل في النهار كذلك، ويصيب المواطن اللبناني في مكامنَ عدَّةٍ، فيُضيِّق نفَسَه ويَـجثُم على صدره ويتربَّص به حتّى نهارًا، فيطلع له “رابُوص” زحمة السير، و”رابُوص” الأَقساط المدرسية، و”رابُوص” انقطاع الكهرباء، و”رابُوص” فواتير المولّدات، و”رابُوص” فواتير صهاريج المياه، و”رابُوص” النُفايات، و”رابُوص” الجرائم اليومية وقتْل النساء، و”رابُوص” الضرائب، و”رابُوص” المشاكل اليومية، و”رابُوص” الصَرف التعسُّفي، و”رابُوص” غلاء المعيشة، و”رابُوص” الشيخوخة الداهمة بلا ضمان صحي ولا ضمان اجتماعي، و”رابُوص” الانهيار الاقتصادي، و”رابُوص” انحسار فُـرَص العمل، و”رابُوص” يتناسل “روابيص” فاغرةً أَشداقَها، ناشبةً قرونَها، فاتحةً جَهَنَّماتها بِـجميع أَنواع الذُلّ والقهر لـمواطنٍ يرزح تحت “الروابيص” والكوابيس، لا الرُقى السحريةُ تنفعُه لطرد “الروابيص” ولا الحلولُ المؤَجَّلة تُجيره من نار الكوابيس.
ولا يتحرَّك هذه الأَيام إِلى مَطْلبٍ إِلَّا ويطالعُه في الليل وفي النهار “رابُوص” الانتخابات النيابية، كأَن الدولة انشلَّت قطاعاتُها لانشغال المسؤُولين بحديثِ الانتخابات، وتحالُفاتِ الانتخابات، وﭘـوانتاجاتِ الانتخابات، ولوائحِ الانتخابات، وقانونِ الانتخابات، وخبراءِ الانتخابات، واستطلاعاتِ الانتخابات، وأَخبار الانتخابات، وخدَمات الانتخابات، وتركيز الناس والإِعلام على الانتخابات.
وهكذا، من “رابُوص” إِلى “رابُوص”، ومن كابوس إِلى كابوس، يجد المواطن اللبناني أَنّ “الروابيص” والكوابيس تطاردُه ليلًا نهارًا، ولن ينفع فيها حتى شرش الروباص.
وبين “الرابُوص” الـمُتوافي والروباص غير الشافي، يترجَّح المواطن اللبناني في الليل والنهار بين “رابُوص” وروباص، في زمنٍ بات عنده شلَلِ النوم طاردًا جميع الأَحلام.
هـنـري زغـيـب