حين القضاءُ لا يَحمـي الزوجَةَ الـمُعَنَّفَة
إِنها القسوةُ في الطَرافة، والفاجعةُ في البسمةِ الوجيعة. في صُورةٍ مركَّبةٍ وصلَـتْني أَمس: لباسٌ نسائيٌّ زَهريٌّ (اللون المأْلوف في كلّ رمزٍ للمرأَة) مصَمَّمٌ واقيًا من الرصاص، والتعليق: “هذا هو اللباس الرسمي للزوجات في لبنان”.
إِلى هنا وصلْنا. إِلى أَدنى قعرٍ من الانحطاط والوحشية والحيوانية: أَن يقتل الزوج زوجتَه في البيت، في الشارع، أَمام أَولاده، ويُصَوّرها تحتضر في دقائقها الأَخيرة ويتلذَّذ في ساديَّـةٍ حيوانيةٍ بتصويرها وإِرسال الصورة إِلى ذويها.
إِلى هنا وصلْنا. وكيف لا نصِل ونحن في مجتمع اللاعقاب واللاقصاص واللامحاكمة الفورية واللاتنفيذ أَحكام واللامشنقة واللاحُكْم بالإِعدام. وما دمنا في مجتمع الــ”لاءات” الـمُخفِّفةِ كلَّ خوفٍ من حُكم القضاء، سنظل نستفيق يوميًّا على خبر فاجع جديد عن زوج قتل زوجته بأَبشع الوسائل والوسائِط والأَدَوات والآلات والظُروف.
مع ذلك، مع كل ما كان وما سوف يكون، يرى التشريعُ النيابي عندنا أَنْ لا حَقّ للمرأَة بقانونٍ ضد تعنيفها فَأَفتى القانون بــ”العُنف الأُسَريّ”، كأَن المرأَة في ذاتها ليست جديرةً بقانون يَحميها من زوج وحش أَو بيئة متوحشة، كأَنما في القرن الحادي والعشرين عُدنا جاهليًّا إِلى وأْد البنات والنظرة الفوقية إِلى المرأَة الزوجة في مجتمع ذُكوريّ وغْدٍ يلزمها فيه لا الحق بالمساواة بل الحق بالحياة.
وما فائدةُ الاجتماعات والتجمُّعات والجمعيات النسائية إِن كانت المرأَة “تستجدي الكوتا” كي يكون لها مكان في مجلس نيابي نصف أَعضائه الذُكور دون حذاقة المرأَة اللبنانية وحضورها وفكرها وذكائها؟
ما فائدة الحركات النسائية ما دامت المرأَةُ مستَضْعَفَةً، والزوجةُ معنَّفَةً، والصبيةُ القاصرُ مصنَّفَةً حلالًا للبطش الزوجي والفَجْعَنَة الجنسية، وحوادث القتل الجسدي والتعذيب النفسي والتحرش الجنسي باتت تسابقُ الأَخبار السياسية وتحتلُّ وسائل التواصل صُوَرًا ومتابعاتٍ وفضائح.
أَيكون القانون مصدر الظُلم، وغيابُ تطبيقه مصدرَ استباحة المرأَة فتتكرَّر الجرائم بدون الخوف من العقوبة، وتتوالى حوادث الظُلم والظلام والظلامية، بعيدًا عن أَيّ وعيٍ بديهيٍّ لعدالةٍ اجتماعية وعدلٍ قاطع وقوانينَ وضوابطَ وروادعَ وحوافزَ وترهيب؟
أَلَيس دورُ القضاء أَن يَحكُم بقوانينه ويَحمي بأَحكامه قبل أَن تقع الجريمة وتنفح أَبواب المحكمة وتَتمطّى مرافعاتُ المحاكمات؟
المرأَة عصَب المجتمع، والمرأَة اللبنانية مصدر اعتزازنا الأَعلى بحضورها ونجاحها في كل ميدان ووظيفة ومسؤُولية، ولا قيام لـمجتمعنا إِذا بقيَ هذا الفلتان الـمتوحش خارج الردع الحاسم الجازم، وإِذا بقيت المـرأَة “تستجدي الكوتا”، وإذا بقيَت المقاعد الحكومية والنيابية مُلكًا للأَكثرية الذكورية الـمُطلقة ولو بدون استحقاق ولا جدارة.
الزوجةُ قبْل الزوج، والـمرأَةُ قبْل الرجل، وإِلَّا فستبقى المرأَة تابعة خاضعة خانعة ضائعة، ويبقى “لباسُها الرسمي” مضادًّا طلقاتِ الرصاصَ في مجتمع لا وقايةَ لها فيه من وحشيةِ زوجٍ عنوانُ رُجولته إِطلاق الرصاص.
هـنـري زغـيـب