“أَزرار” – الحلقة 1024
… كي ينطِـقَ الحجر  ويَسمَعَ البَشَر
“النهار”  –  السبت 20 كانون الثاني 2018

“لَـــرُبَّ مَيتٍ غدا حَــيًّـا بِــهِ الـحَجَـرُ”

لـم يَعُد الهاتف الخَلَوي وسيلةَ اتصال فقط، ولا تسليةً لِـهدْر الوقت في كتابة رسائل نصية إِلكترونية تافهة وتَلَقّي صُوَرٍ وأَفلام، بل هو ذو مردود تثقيفيّ بتطبيقاته التثقيفية العلمية.

بعد تطبيقٍ يُتيح متابعة تاريخ اللوحات والموجودات في المتاحف[1]، هوذا تطبيقٌ آخر ذو جواب سريع (QR) يجعل التمثال الجامد حيًّا “ينطِق”. وهي ظاهرة رائجة في مدن كبرى (لندن، دَبْلِن، مانشستر، شيكاغو،…) لم يعُد التمثال فيها كُـتلة صخرية أَو برونزية، بل بات كائنًا “ناطقًا” يكفي الدُنُوُّ من قاعدته وتقريب الهاتف الخلوي إلى رمزٍ فيها حتى يرن الهاتف ويجيب صوتٌ باسم صاحب التمثال معرّفًا شارحًا مثقِّفًا. وهو نص قصير وضعه كاتب، وسجَّلَه ممثّل بصوته، يعرّف عن صاحب التمثال ونَـحّاته. وتلك تماثيل أَعلام في بلدانهم، بينها تماثيل حيوانات ذات مغزى رمزيّ لصنعها.

إِنها التكنولوجيا في خدمة الفن، والفن في خدمة الثقافة، والثقافة في خدمة تطوير الـمجتمع، والمجتمع المتطوّر يَـبـني شعبًا حضاريًّا يَنعم بما في بلاده من خيرات ثقافية وكنوز أَدبية وفنية فلا يعود يـمُر بها كأَنها شجرة يابسة، أَو صخرة صلدة أَو عمودٌ أَجرد.

35 تمثالًا جرى “إِحياؤُها” في لندن، والظاهرة تتوسّع إِلى مُدُن أُخرى في بريطانيا، فلا يعود وَلدٌ يسأَل أَباه عن التمثال، ولا مواطن أَو سائح يـمـرّ به ولا يسأَل عن صاحبه ولـماذا أُقيم له التمثال.

بين الحجر والبشر تناقضٌ دائم. إِنما مع هذا التطبيق يتقرَّب الحجر من ذاكرة البشر، وتحيا الذاكرة فلا تصبح مجرَّد ذكرى غامضة أَو منسية.

من لندن وشيكاغو ودَبلن ومانشستر وسواها، أَعود إِلى لبنان، ولدينا تماثيل كثيرة قَضَم الصدأُ بعضها، ويغرق البعض الآخر في الإِهمال والنسيان عند زاوية شارع أَو منعطف ممر أَو ساحة عامة. فماذا يعرف مواطنونا، قبل سيَّاحنا، عن تلك التماثيل في الشوارع والساحات؟

رضينا أَنّ في بيروت شوارع بأَسماءِ مجهولين لا نعرفهم ولا لماذا استحقُّوا أَن حملَت أَسماءَهم هذه الشوارع. ولكنّ في بيروت وسائر لبنان تماثيلَ معظمُها لأَعلامٍ من عندنا في حقول إِبداعية ومعرفية وسياسية لا يعرف عنهم اللبنانيون سوى القليل. فماذا لو عمَدَت الدولة إِلى الْتزام تطبيق الجواب السريع (QR) لتماثيل أَعلامنا، كي “ينطِق” التمثال بصاحبه وتاريخه فلا يـبـقى “شيئًا” جامدًا لا أَهمية له ولا رمزية، وكي “تنطِق” مدنُنا بمبدعين من لبنان، ويتثقّفَ مواطنونا فيعرفوا أَعلامَ بلادنا، ويصدُقَ ما قاله الياس أَبو شبكة في زحلة سنة 1945 أَمام تمثال فوزي معلوف:

“لَــرُبَّ حَيٍّ غدا في قَومِهِ حَجَرًا    ورُبَّ مَيتٍ غدا حَــيًّـا به الـحَجَـرُ”.    

هـنـري  زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib

[1]  “أَزرار”  1006 “النهار” 16 أَيلول 2017.