مع انطلاق موسم الانتخابات في أَيار 2018
بدأَ الـمَوسم! إِفرَحوا وتَـهَلَّلُوا بالـمَوسم العتيد!!!
بدأَ الـمَوسم، وبدأَت التحضيرات: الآلية انرسَـمَت، الخلافاتُ اتَّسَمت: “ميغاسنتر”، بطاقة مُـمَغنطة، بطاقة بِـيـومترية، لوائح، مشاورات، اقتراع المنتشرين،… وتَتَمَغْنَطُ الأَجواء بين الـ”ميغا” والـ”أُوميغا”، ويتبارى المسؤُولون في حفلات زجل انتخابية أَين منها مبارياتُ الزجل بين شعراء يتنافسون في الفخر والمديح والهجاء، مع فارقِ أَنّ الشعراء في تَــزَاجُلهم مبدعون، والسياسيين في تساجُلِهم أُفعوانيون حرباويُّون يوضاسيُّون بيلاطُسيُّون.
بدأَ الـمَوسم و”دارت الـمُحركات والـماكينات”، وأَخذ المرشحون والمسترشحون والمرشوحون على الشاشات يتنطحون وفي الإِذاعات يستنطحون، مَن يترشَّح مع مَن، مَن يترأَس اللائحة بِـمَن، مَن يتحالَف مَع مَن، والناس في مَـجالسهم لم يَعُدْ لهم إِلا هذا الحديث: مَن ينتخب مَن، مَن يستزلِـم لِـمَن، مَن يستسلِم لِـمَن، مَن هو في قطيعِ مَن، مَن يتحمَّس لِـمَن، مَن يتخاصم مع مَن بسبَب مَن، وهكذا… من موجةٍ إِلى موجة، بدأَ إِلهاءُ الناس عن القضايا الأَساسية والأُمور الضرورية، وبدأَ دفعهم إِلى الاصطفافات الأَغنامية القُطعانية، من دون أَي فسحة لهم كي يسأَلوا المرشَّحين والمسترشِحين والمرشوحين عن برامجهم للبلاد، عن تَصَوُّراتهم لِـمُستقبل الوطن، عن مشاريعهم لنهضةِ هذه الدولة التي ظَـــلُّوا يَـمتَصُّون خيراتِـها حتى صارت مكسورةً تبحَثُ عن مُسعفيها تحت اسمٍ ملطَّف ٍمهذَّب عنوانه: الدُوَل المانحة.
بدأَ الـمَوسم… يا ما شاء الله، ولكن… إِلى أَين يأْخذُنا هذا الـمَوسم ومن يُـمَوْسِـمُونَـه ليقودوا الناس قطعانًا؟ يُلهون الناس باللوجستيّات الإِدارية والإِجرائية وبطاقةٍ من هنا و”ميغاسنتر” من هناك، ولكن… أَين برامجُهم؟ أَين مشاريعُ أَحزابهم وأَفكارُها وتصاميمُها الإِيديولوجية والسياسية والاجتماعية والصحية والتربوية والتنظيمية لوقف هدْر الفساد الناخِرِ بصفقاته وسرطاناته جسدَ الدولة ومستقبلَ المواطنين؟ ما المعيار الذي يضعونه كي يـُمْضوا في ساحة النجمة أَربع سنواتٍ مثمرةٍ تشريعيًا خارج خدماتِهم للأَزلام والمحاسيب؟ وما الجديد في انتخابات أَيار الـمقبل إِن كان الـمُمَدَّد لهم مرتين سيَعودون ثالثةً هم ذاتُهم إِلى مقاعد الـﭙـرلـمان، وإِن غابوا عنها، من غير شَر، ضيَّفُونا أَولادَهم وأَحفادهم وأَفرادًا مقرَّبين من سُلالاتهم “الـمُباركة” إِيمانًا منهم بنظرية الطب الحديث أَن الذَكاء موروثٌ ضمن الجينات؟
السياسيون ليسوا وحدَهم مسؤُولين عمّا وصلْنا إِليه، بل اللبنانيون الذين أَوصلوهم هم المسؤُولون. المهم ليس “مَن” نَنتخب بل “لـماذا” ننتخب “مَن”؟ أَهؤُلاء الذين استفاقوا الآن على حرصهم في الحفاظ على مصلحة المواطنين الأَحبّاء؟ أَهؤُلاء الذين أَثبتوا فشلَهم تشريعيًّا وتنفيذيًّا وإجرائيًّا طوال جلوسهم السعيد على كراسي الحكْم؟ مَن ينتخبون قطعانيًّا فليتحمَّلُوا تبعات استزلامهم القطعاني الأَعمى.
يـبقى القسم الآخَر: يـبقى اللبنانيون العارفون المدركون الكاشفون الصدأَ في وُجُوه المكرَّسين الحاكمين منذ قُرون، اللبنانيون المرصودُ عليهم أَملُ التغيير في وجه المحادل والبولدوزرات والديناصورات الدهرية الرابضة على كراسي الحكْم. اللبنانيون المتنوّرون هؤُلاء، هم الأَمل الأَخير، هؤُلاء هم الـمُغَيِّرون، هؤُلاء هم العقاب القاسي لوارثي الكراسي، هؤُلاء همُ الصرخة الأَخيرة قبل أَن يُطْبِقَ الغُول شدقيه على مستقبل لبنان.
6 أَيار 2018 ليس تاريخًا للاقتراع، بل تاريخٌ للإِقلاع والاقتلاع: الإِقلاع بلبنان متجدِّدِ الرئة والدم والتنفُّس، واقتلاع جميع الأَضراس الـمُسَوَّسة والأَمراض الـمُكدَّسَة والأَسْـماء الـمُكَرَّسة في الصدارة الـمُهْترئة من ذاكرة الوطن.
فَلْيَكُنْ 6 أَيَّار الـمُقبل موعدًا ساطعًا من غدٍ جديدٍ طالِعٍ من شَمسٍ جديدةٍ، نقيةٍ من كلِّ ماضٍ أَوصلنا إِلى هذا الحاضر اللعين.
هـنـري زغـيـب