“أَزرار” – الحلقة 1022
مداواةُ الأَلَـم بالجمال
“النهار”  –  السبت 6 كانون الثاني 2017

بَلَى: الجمالُ يُـخَلِّصُ العالم

        قد لا يكون الكثيرون موافقين على قولة دوستويـﭭـسكي إِنّ “الجمال يخلِّص العالم”، ظنًّا بأَنه انفعال أَديب يتوق إِلى الجمال.

        لكنّ الأَمر أَبعد، أَهمّ، أَعلى: الجمال ليس جمودَ ما نرى ونعاين ونسمع وننفعل، بل علامتُه الدهشة التي نُحسُّها أَمام الجمال.

الدهشة، وأَقصُدُها تلقائيّةً بأَجمل معانيها الروحية الوجدانية، فلا أَنقى منها انفعالًا أَمام لونٍ في لوحة، أَو خطٍ في رسم، أَو لـمعةٍ في قصيدة.

         أَتذكَّر في هذا السياق مقالًا قرأْتُه في صحيفة “لوموند” لفتَني عنوانُه: “الجمال يُداوي الآلام”، وكان عن بادرة من متحف اللوﭬــر بنقْل مجموعةٍ من لوحاته إِلى عددٍ من مستشفيات ﭘـاريس، بُغيةَ “تقديم الفن إِلى الـمحرومين منه: السجناء، المعوّقين، المرضى في الـمستشفيَات،…”، حتى يتسنى لهم تلقائيًّا أَن يشاركوا في عرس الفن من دون الانتقال كي “يذهبوا” إِلى العرس.

         إِذًا ها هو اللوﭬــر، أَكبر متحف في العالم، “يستأْذن” من زواره (نحو 10 ملايـين زائر في السنة)، كي يحمل عددًا من روائعه الفنية إِلى مَن لا يستطيعونَ الوصول إِلى الضفة اليمنى من “السين”، ولا التجوُّلَ ساعاتٍ فردوسيةً بين آلاف الأَعمال الخالدة.

        إِنه اللوﭬـر في المستشفى، يحمل نُسخًا لبعض الكنوز في بعض مجموعات من روائعه الخالدة، ويدخل غرف المرضى والأَروقة والصالات، فيعاينون في غُرَفهم لوحاتٍ أَو تماثيلَ أَو أَنصابًا، يسافرون مرةً في أَلوان لوحة، ومرةً يحاورون في صمتهم صمتَ تمثال.

        وتعمّد مسؤُولو اللوﭬــر أَن تتمحوَر الأَعمال حول العائلة، الطفولة، الحيوانات الأَليفة،… وفق اقتراحات لجنةٍ من العلماء النفسيّـين باختيار ما يرَونه مفيدًا للمرضى في أَسِــرّتهم وتأْثيرها الإِيجابي عليهم.

        إِنه العلاج بالفن، يَدخل مسامَّ الروح أَبعد من مسامّ الجسد، فيدخل اختصاصيون غرف المرضى، يعْرضون لهم اللوحة، يسأَلونهم عن انطباعهم حولها، يناقشون موقفهم منها، يُخرجون المرضى نفسيًّا من سريرهم المسطَّح فيرتفعون إِلى أَعالي قمم من الفرح والدهشة والجمال فينسَون ما بهم، ويَخرجون من حالتهم إِلى “الحالة الثانية” التي تَـخلقها الدهشة أَمام الفن العالي. ويقوم اللوﭬــر بتدريب طاقم في المستشفيات على شرح الأَعمال الفنية ومناقشتها كي يُكْملوا ذلك في عمل يومي داخل غرف المستشفيات.

       هكذا تتغيَّر نظرة المرضى إِلى جَــو الغرفة في المستشفى فلا تعود سجنًا من القلق والخوف وانتظار المجهول، بل ينفتحون على رؤْيةٍ للحياةِ باسمةٍ من أَمل ورجاء، وتتحوّل حياتهم إِلى انتظار الفن يدخل غرفتَهم فيُنعشهم ويرقى بنفسيتهم ومعنوياتهم، ويخرجون من حالات اليأْس والانهيار والتشنُّج والحزن، إِلى عالم الفن الواسع بأَشكاله والأَلوان، وتتغيَّر حتى النظرة إِلى المستشفى بفضل الجمال وهو ينبوع الفن.

      إِنه الجمال يشفي من الآلام، يخفّف من ثقل الوقت، ويساعد على اجتياز الأَيام الطويلة.

      بلى… “الجمال يُـخَلِّـص العالم”.

هـنـري  زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib