“أَزرار” –  الحلقة  1015
بلادَك “أَلْـــبَــكْ” “عْطيـها”(؟!؟)
“النهار”  –  السبت 18 تشرين الثاني 2017

الخطأُ في إِعلانٍ تجاريّ لا نَـرضاه يُـشَوِّه إِعلانًا توجيـهيًّا لجيشنا الرائع

 في زمن الأَوطان الصعب يلجأُ المواطنون إِلى النظام يَـحمي مُـؤَسساتهم من كل خَلَل وخَطَل. وعند اقتراب الخطر تهلَع القلوب فَــتَــنْــذُر أَن تفتدي الوطن كي لا يَـمَسَّه مكروه. وهو ما حملتْه قصيدةٌ لأَسعد سابا (“صرخة بطَل”، غنّاها وديع الصافي) مطلعُها “يا ابني بْـلادَكْ قلبَك اعطيها” صَدَمَني أَن أَقرأَهُ مشوَّهًا “بلادك أَلْــبَــكْ عْطيها” في حملة إِعلانية تحمل شعار جيش لبنان. ولأَنّ مصدر الحملة أَنقى مؤَسسة نظامية إِليها ننتمي: الجيش، نستغرب أَن تصدُمَ الحملةُ عيونَ المواطنين في استبدال القاف بالأَلِف (“أَلْــبَـكْ”) وحذْف الأَلِف (“عطيها”) وفي “اختراع” أَبجديةٍ خارجةٍ على كل نظام لُغَوي.

إِذا كان كبيرًا خوفُنا على النظام السياسي بإِضعاف مؤَسساته، فخوفُنا متواصلٌ على النظام اللُغَوي بِـخَـرق قواعده. لكل لغة أَبجديَّــتان: كتابية وصوتية. وللعربية أَبجديَّــتاها: الفصحى المكتوبة ولها رموزُها الحروفية المعروفة، والمحكية ولها رموزها الشفوية اللفظية المختلفة عن تلك المكتوبة المتعارَف عليها. لا يجوز الاجتزاءُ الاعتباطيُّ من رموز الأُولى إِلى رموز الأُخرى ولا العكس، كما لا يَجوز الخلْط بين رموز الأَبجديَّـتين لأَنّ هذا التصرف الاعتباطي يولّد لغةً دخيلة هجينة خارجة عن جميع الأَنظمة اللغوية. الرموز اللغوية ضمانةُ استمراريتها كتابةً، وانتهاكُ هذه الرموز لفظًا يهدّد بِرواج لُغَةٍ مسْخٍ لا قاعدةَ تضبُط رموز استمراريَّــتها. وهنا الخطرُ المؤْذي في نظرية “أُكتُبْ كما تلفِظ” لأَنها تُؤَدّي إِلى كتابة “تمسال” بدل “تمثال”، و”إِزا” بدل “إِذا”، و”أَلْــبَكْ” بدل “قَلْبَك”، كما تطالعنا به إِعلاناتٌ غريـبة أُمّــيّـة جاهلة تَكتب “هْروب” بدَل “اهْرُب”، و”مفتاحا” بدَل “مفتاحها”. في معظم اللغات العالمية كلماتٌ ذاتُ أَحرفٍ لا نلفِظها لكننا عند كتابتها نَــتَّــبع نظامها اللغوي فنكتب تلك الأَحرف ولو لم نلفظْها، مثل “Paris” في الفرنسية و”Laugh” في الإِنكليزية. الأَصل دائمًا يـبقى نظام (code) اللغة المكتوبة عند لفْظ الأَحرف. وإِفسادُ النظام اللغوي يؤَدّي إِلى فوضى إِفسادية تخربط كل نظام عقليّ منطقيّ تقوم عليه كلُّ لغة لأَنه عِلْمُ أَجيالٍ من الأَدب والثقافة والعلوم. فاللغة تبقى نابضةً بالحياة طالما نظامُها يستقيم في جميع مرافق الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، وحياتها تتواصل باحترام نظامِها ورصانة اتِّــباعه.

 وإِذا هدفُ الإِعلانات التجارية الهجينة توجيهُها إِلى أَحاسيس المتلقّي، من العيب افتراضُ هذا الـمُـتَلقّي جَاهلًا لغويًّا. فالمحكيةُ ليست لغةَ أُمّــيّـين يُـبَسِّطها لهم الإِعلان كي يَقْرأُوها في كتابةٍ عوجاء عرجاء رعناء لا قيمةَ لها خارج “صدمة” الأَحاسيس والعواطف وأَرباح المعلنين المادية.

 وما نرضاه في إِعلانات تجارية تُصدرها شركاتُ إِعلاناتٍ تتولّى “اختراع” كتابتها الهجينة الجاهلة، نستغربه في حملةٍ وطنيةٍ تَوجيهيةٍ يعمِّمُها جيشُنا الرائع عشيةَ الاستقلال، يُشَوِّه كتابَــتَـها مسؤُولٌ إِعلاني يَستبدل القاف بالأَلِف، فيؤْذي العين، ويَنسِفُ بها جميع مبادئِ اللغة السليمة.

 هـنـري  زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib