يتجاهلون المؤَلِّف والـمُلحِّن ولولاهما لَـمَا كــانوا مَوجودين
صَــرَفْـتُ وقتًا، قبل يومَين من هذا الأُسبوع، في جَـمْع أَغانٍ من شِـعري صَادِرةٍ على موقع “يوتيوب”، كي أَضُمَّها إِلى موقعي الإِلكتروني فتُضافَ فيه إِلى أَعمالي الأَدبية.
بعضُ ما وجدْتُهُ، منشورٌ بكامل الكلمات والإِشارة إِلى الملحِّن، وبعضُها الآخر اكتفى ناشرُه “الأَشْوَس” بِذِكْر الـمُغنّي أَو الـمُغنّية وأَطاح ذِكْرَ المؤلِّف والملحِّن، وهذا ما يَصدُر غالبًا في مواقِعَ يَنشُرُها هواةٌ لا يَهُمُّهم من الأُغنية المصَوَّرة أَو المسموعة إِلا اسمُهم الكريم واسمُ الصَوت المؤَدّي.
غير أَنّ ما صَدَمني أَخيرًا: إِيـجادي على أَحد مواقع الهُواة قصيدتي “لبنان قلبي” ذاكرًا أَنّ “المؤَلِّف مجهول”، و”الملحِّن مجهول”، وأَنّ الـمُغنّية هي ماجدة الرومي. والمفارقة في الأَمر أَن ملحِّن هذه القصيدة هو حليم الرومي، والد ماجدة، وقصيدتي تلك كانت آخرَ عمَل لَـحَّنه لـماجدة سنة 1983، قبل أَن يُقْعدَه المرض ويَقضي عليه بعد أَشهرٍ قليلة.
أَوردتُ هذه الخاطرة لا كي أُناقشَ وضْعَ بعض المغنِّين والمغنِّيات في أَدائهم العلني وطبْع أَعمالهم الميكانيكي، ولا حصادَهم ملايينَ الدولارات في موسم واحد فيما مُؤَلِّف الأُغنية وملحِّنُها – وهما الأَساس في العمل – يَـبْـقَيان في الظِلّ أَمام “الجمهور الحبيب”، وربّما يكونان في حاجةٍ ماسَّةٍ صِحّيًا أَو اجتماعيًّا إِلى حصّتهما من مردود أَعمالهما التي يشتهر بها مُغَــنُّــونَ ومُـغَــنِّــياتٌ لا يَدفعون حصة المؤَلِّف والملحِّن لشركة “ساسيم” (SACEM) التي تُـحصّل حقوق المؤَلِّفين والملحِّــنين عن كُل أَداءٍ علَنيٍّ يستعمل أَعمالَـهُم على المسارح، ومن واجب المغنِّين والمغِّنيات أَن يُطالبوا منتجي السهرة بحصة المؤَلِّف والملَحِّن عن كل أُغنية يؤَدُّونها على مسرحِ حفلةٍ أَو مهرجان.
غير أَن هذا لا يَحصَل، و”يمتطي” المغنُّون والمغنِّيات خشبةَ المسرح حاملين “شِياكَتُهُم” وأَلقابهم التي بها يعرفهم جمهورهم “الحبيب”، فهذا “نَجم المهرجانات”، وهذه “النَجمة الذهبية”، وهذا “النَجم العربي”، وهذه “شمس الأُغنية”، وهذا “قيصر الغناء”، وهذا “نَجم الغناء”، وهذا “مَلِك الأُغنية الرومَنسية”، وهذا “سُلطان الطرب”، وهذا “نَجم الأُغنية العربية”، وهذا “سُوﭘــر ستار”، وهذا “العلامة الفارقة”، وهذا “فارس الغناء العربي”، وهذا “فارس الأُغنية العربية”، وهذا “مُطرب العشاق”، … إِلى سائر “ليستَة” الأَلقاب التي ستَسقط لاحقًا، هي وأَصحابُها، لأَنها بنتُ الموجة العابرة، وقدَرُ الموجة أَن تَعبُر ثم تَهبط وتَـمَّحي وتَضمحلّ وتَزول مهما بلَغَ عُلُوُّها وطال رَواجُها بين “الجمهور الحبيب”.
الأَساس دائمًا: مؤَلِّفٌ ومُلَحِّنٌ لولاهما لكان المغنّي سَلَك مَسيرةً أُخرى في حياته، ولَكانت المغنّية اتخذت طريقًا آخر لِـمُستقبلها. لذا، من واجب حضرة المغنِّين والمغنّيات أَن يَذْكروا في حفلاتهم، شَفهيًّا، أَو كتابيًّا في برنامج الحفلة، اسـمَي المؤَلِّف والملحِّن، فيَعرف عنهما أَصحاب المواقع الإِلكترونية – وهم في مُعظمهم هُواةٌ رُعَناء أُمّيُّون، وعندها لا يعودون يكتبون أَن “المؤَلِّف مجهول” و”الملحِّن مجهول”، جَهَّلوا بغبائهم اَسم الكبير حليم الرومي. ذلك أنهم يُـجَهِّلون الـمَعلوم ويُـجَمِّلون الـمَجهول مهما كان “نَـجم الموجة” الحالية العابرة.
الـمُغنّي يُوصِلُ النصّ واللحن إِلى مساحة واسعة؟ صحيح. ولكنّ هذه المساحة ما كانت لِتَعرف حضرة المغني ولا حضرة المغنية لو لَـم يَــتَــيَّــسَّـر لهما مَن يَكتب الأُغنية ومَن يُلَحِّنها.
وهنا أَتذكَّر ما حصَل على مسرح في القاهرة يومَ غامر عبدالحليم حافظ وَزَجَرَ جُمهوره رافضًا البَدء بأَداء “قارئة الفنجان” إِلّا إذا هدأَ الجمهور كي يُصغي جيّدًا إِلى أَهمية كلمات القصيدة، فيُؤَمِّن لــ”قارئةَ الفنجان” سَـماعًا كاملًا من جمهورها، واحتراماً لكلمات شاعِرها نزار قباني.
هـنـري زغـيـب