“أَزرار” – الحلقة 997
“يا أُمَّةً غَدَت الذئابُ تَسُوسُها”
“النهار” – السبت 8 تموز 2017

لم يعُد جديدًا قولُنا إِن المهم ليس إِصدارَ القانون بل تطبيقُه.

الجديدُ الدائِم هو أَن المسؤُولين الذين عندنا سَـنُّـوا القانون لا يطبّقونه، أَو لا يُشرفون على تطبيقه زجرًا أَو إِيعازًا بِـمعاقبة.

الدليل: إِرسالُ رئيس الجمهورية إِلى رئاسة الحكومة 36 قانونًا تـمّ إِقرارُها ولم تصدُر مراسيمُها التنظيميةُ بعد.

والحالةُ دومًا هيَ هيَ:

هل قانونُ منع التدخين في الأَماكن المقفلة مُطَبَّق، ويخترقه مسؤُولون يدخّنون في مكاتبهم، أَو “يؤَركلون” في الأَماكن المقفلة؟

هل قانونُ السير مُطَبَّق، بوضع حزامِ الأَمان وعدم المهاتفة أَثناء القيادة؟ كم مرةً سيارةُ مسؤُول (داكنةُ الزجاج طبعًا) دخلَت عكس السير، أَو رأَيناها متوقفة تحت إِشارة “ممنوع الوقوف”؟

 هل قانونُ نزع مخالفات الأَملاك البحرية مُطَبَّق، ولبعض المسؤُولين مساحاتٌ اغتصبوها على الشاطئ من أَملاك الدولة؟

 هل قانونُ عدم إِطلاق الأَسهُم النارية ليلًا مُطَبَّق، وهذه الأَسهم تؤَرّق ليل الأَطفال والمرضى والمواطنين بكل وقاحة؟

 هل قانونُ المطاعم والحانات وعُلَب الليل بعدم إِقلاق الراحة ليلًا مُطَبَّق، والمسؤُولون يغضُّون الطرْف لرشوةٍ ظاهرةٍ في وجوههم؟

 هل قانونُ منْع الصيد مُطَبَّق، والصيّادون دوّارون في القرى والأَرياف يطاردون العصافير التي كلُّها فائدة لمناخنا وطبيعتنا والبيئة؟

 هل قانونُ حفظ المباني الأَثرية مُطَبَّق، والمعاول والجرافات تجتاح مبانِــيَ ومواقعَ أَثريةً وتاريخيةً ولا مَن يوقف هدْمها أَو طمْرها؟

تكرُّ السلسلة ولا تتوقف، لأَن مخالفاتِ المسؤُولين أَكثرُ من أَن تتَّسع لها مساحةُ مقال ولا حتى مساحةُ كتاب.

وفي حين نقرأُ عن مسؤُولين في بلدان العالم المتمدّن الراقي تَـمّ توقيفهم، أَو حوكموا لمخالفاتٍ ارتكبوها إِبان فترة حكمهم أَو حتى بعد انقضائها وخضَعوا للعقوبة راضخين، وفي المقابل نعاينُ عندنا تجاوزاتٍ يرتكبها مواطنون تماهيًا بما يرتكبه مسؤُولون مباشرةً أَو بإِيعاز إِلى أَزلامهم، فلا يقاربها القضاءُ لأَن السلطة السياسية عندنا متسلِّطةٌ حتى على القضاء المفروض أَنه خارج كلّ سلطة سياسية أَو إِدارية أَو دبلوماسية، نفهم عندئذٍ لماذا تتَدحرج دولتُنا نحو الانهيار الفاجع، فيما المسؤُولون يخالفون القانون، ويتلهَّون بالخصامات السياسية، وتركيب “دومينو” قانون انتخاب على قياسهم السياسي أَو المناطقي أَو الطائفي أَو التحالفي، حتى غدَت صورةُ الدولة كاريكاتوريَّةً يبتسم لها الناس سخريةً أَو أَسفًا، لا الناس قادرون على تغييرها، ولا المسؤُولون راغبون في تغييرها لأَنها تُؤَمِّن لهم جثومَهم الدائم على كراسي الحكم، وتوريثَها نسلَهم من بعدهم.

أَقول هذا بمرارةٍ في القلب.

وأَتذكَّر مَطلعَ قصيدة الأَخطل الصغيريا أُمَّةً غَدَت الذِئابُ تَسُوسُها“.

وأَتذكَّر بيتَ عمر أَبو ريشة:

                                   “لا يُلامُ الذئْب في عُدْوانِــهِ     إِن يَكُ الراعي عَدُوَّ الغنَمِ“.

وكيف يُلام شعبٌ يثور على مسؤُوليه حين مسؤُولوه ذئابُ هذا الشعب؟

هـنـري  زغـيـب  

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib