“أَزرار” – رقم 992
“أَنا  النهرُ… والنهرُ  أَنا”
” النهار” – السبت 3 حزيران 2017

          في الامتحان المدرسي قد تشمل مسابقة الجغرافيا سُؤَالًا عن الأَنهار في لبنان، وقد لا يُغفل التلامذة ذكْر نهر الليطاني طُولًا ومَنبعًا ومَصَبًّا. لكنّهم سيُغفِلون أَن هذا النهر مهدَّد بالانقراض إِذا استمرّ إِهماله الحالي: معالجاتٌ آنيةٌ هزيلة، استهتارٌ بخطورة تَرْكِه حاويةَ نفايات، العجزُ عن معالجةٍ فوريةٍ سريعةٍ لـسُمُومه الْـمُسرطِنة بِوَحشيّة قاتلة.

         ويُغفِل المسؤُولون أَن نهر الليطاني إِرثٌ نادر في تراثنا الطبيعي ومواردنا الحيوية، وَرِثْـناه نعمةً من طبيعة لبنان كي نُحافظَ عليه إِرثًا لأَبنائنا والأَجيال المقبلة.

         ويُغفِل المسؤُولون أَن إِهماله الفاجر سيغيّر في وجه لبنان الجغرافي مثلما الكساراتُ الفاجرة تغيِّر في وجه جباله وتلاله، ووجهُ لبنان الطبيعي مكوِّنٌ أَساسيٌّ في جيولوجيا لبنان ستقضي عليه مهاترات سياسية تافهة عقيمة غير مسؤُولة، ونقاشات ثرثارة يمارسها مقاولون تجّار لا مسؤُولون سياسيون سينتهي بهم عُقمهم الفكري إِلى إِلغاء النهر من الخارطة.

         إِلى هؤُلاء المسؤُولين اللامسؤُولين، هذه الأُمثولة: في 14 آذار الماضي أَصدرت حكومة نيوزِلندا قرارًا حول نهر “وَانْغَانْوِي” (ثالث أَطوَل نهر في البلاد: 290 كلم) بتصنيفه “كائنًا حيًّا ذا شخصية قانونية شرعيّة وهوية مستقلة، له حقوق وعليه واجبات، كأَيِّ مواطن في البلاد”. وحدّد القرار “تكريس النهر والحفاظ عليه: منذ منبعه في أَعلى الجبال حتى بلوغِه البحر مع جميع روافده وعناصره”.

جاء ذلك بعد صراعٍ مع الحكْم مستمر منذ 170 سنة حول هذا النهر الذي تعتبره قبيلة “مَاوْرِي” مقدَّسًا في طقوسها وثقافتها الدينية وعاداتها وتقاليدها الاجتماعية، وتتولى السهر على “صحة النهر ورفاهيته”. من هنا شعارُ الفرد فيها: “أَنا النهرُ، والنهرُ أَنا”.

بموجب هذا التشريع الأَخير بات النهر ” كيانًا حيًّا جديرًا بالحماية، يمثّله أَمام القضاء محامٍ من القبيلة وآخر من الحكومة. ودفعَت الحكومة للسكان الأَصليين مبلَغَين: 52 مليون يورو عطْلًا وضررًا لقاءَ المصاريف القضائية طيلة 170 سنة، و30 مليون دولار لتحسين حالة مجرى النهر”.

          حين سُئل وزير العدل كريستوفر فِنْلَايْسُون عن هذا القرار/الظاهرة أَجاب أَنه صدر “إِقرارًا بالصلة القديمة الروحية القوية بين النهر وتلك القبيلة من سكان جزيرتنا الأَصليين. ليس غريبًا أَن نعطي صفةً بشريةً لـمورِدٍ طبيعيٍّ تعتبره القبيلةُ مقدَّسًا وتؤْمن به بعضُ العائلات والمجتمعات والجوالي في بلادنا”. وختمَ الوزير: “هذه البادرةُ الفريدة في العالم نأْمل أَن تسجّل سابقةً فتحافظ مثلَنا سائرُ الحكومات والدول على مواردها الطبيعية مثلما تحافظ على مواردها البشرية”.

         شكرًا يا وزير نيوزِلندا، ولكنْ… ما قولُكَ في دولةٍ غافلةٍ كَسُولةٍ منذ عهودٍ وعقود، ليست تحافظ لا على مواردها الطبيعية ولا على مواردها البشرية، وتترك شعبَها يموت من السرطان بسبب تلوُّث أَحد أَجمل أَنهارها؟

هـنـري  زغـيـب  

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib