هل كان ضروريًّا أَن نُفجَعَ في الفترة الأَخيرة بسقوطِ خيرةِ شبابنا وصبايانا ضحايا إِجرام المسلحين الفاجرين، حتى تتصاعد صرخاتُ المسؤُولين والأَهالي والمجتمع المدني مطالَبَةً باستعادة العمل في قانون الإِعدام؟
وهل كان من الـمـلِـحّ أَن تنفطر قلوبنا على أُمٍّ تحضن تابوت ولدها، أَو زوجةٍ تحمل صورة زوجها القتيل، أَو رضيعٍ ساهٍ عن فقدان والده، حتى يشتدَّ النداء إِلى الدولة كي تكونَ دولة؟
صحيحٌ أَن شبابنا في الجيش وفرع المعلومات والاستخبارات وقوى الأَمن الداخلي والأَمن العام، رائعون قياداتٍ وأَفرادًا بإِلقاء القبض على المجرمين في سرعة قياسية أَو بارعة، لكنَّ هذا وضعٌ استلحاقيٌّ نُـحيّـي شبابنا عليه، إِنما لا نُـحيِّـي المقصرين عن وضع خطة استباقية لإِلقاء القبض على مجرمين صدَرت بحقِّهم مذكراتُ توقيفٍ كثيرةٌ، ولا يزالون يسرحون على الطرقات، حتى يرتكبوا جريمة جديدة فنكتشفَ أَنهم كانوا مطلوبين إِلى العدالة لكن مذكرات التوقيف والجلْب بقيت حبرًا على ورق.
هَيبةُ الدولة أَن تُنْذِرَ فلا تقعَ الكارثة، وأَن تُهَدِّدَ فيرتدعَ المجرمون، لا أَن تلاحقهم على جثةِ قتيلٍ أَو جراح مُصاب.
لا هَيبةَ للدولة إِن لم تَحزُمْ أَمرها بما يَجعل المجرمين يَهابُون سلطتَها وعقابَها.
وأَيُّ سلطةٍ، وأَيُّ عقابٍ، وأَيُّ عقوبةٍ، حين القاتل يُـخْلى سبيلُه بعد فترة لا يكون فيها جَفَّ دمُ القتيل؟
أَإِلى اليوم كان يجبُ انتظارُ العودةِ إِلى تفعيل قانون الإِعدام؟
وما كان الرادع؟ وما كان المانع؟ ومَن كان المعترضُ على عودة هذا القانون؟
المحامون عن حقوق الإِنسان؟ وهل مبدأُ حقوق الإِنسان أَن يُعفى القاتلُ ويُدفَنَ القتيل؟
هل حقوقُ الإِنسان تَحمي المجرمَ من حبل المشنقة، وتحيلُ الحبلَ إِلى الدموع الحارقة من أُمٍّ ثَكلى وزوجةٍ مفجوعة وأَطفال يتامى؟
حتى الحيوان يَلقى حقوقه بمنع صيده أَو قتْله أَو قنْصه أَو تعذيبه. فهل باتت حقوقُ الإِنسان عندنا أَقلَّ شأْنًا من حقوق الحيوان؟
ليس صحيحًا أَنَّ الإِعدام لا يَردع المجرم عن ارتكاب جريمته. إِن مشهدَ مجرمٍ معلَّق على حبل المشنقة، أَو مجرمٍ معصوبِ العينين يسقط رميًا بالرصاص، أَو مجرمٍ يلقى مصيرَه جَلْدًا أَو تعذيبًا، لا يمكن أَن يمرَّ مشهدًا عاديًّا أَمام مَن تغلي نفوسُهم بارتكاب جريمةٍ أَو بالتخطيط لها إِطلاقَ رصاصةٍ أَو طعنًا بسكين.
الإِعدام الإِعدام… يصرخ اليوم مسؤُولون وأَهلون وناشطون.
نعم: وبأَقصى سُرعة وبأَقسى حزْم. هكذا يكون الاستباقُ الرادع الوازع، وهكذا تكون الدولةُ دولة، وتسترجع هَيبتَها فلا يطمئِنُّ المجرمون إِلى أَنهم في غابةٍ مفتوحةٍ لهم بلا حسيب ولا رقيب، يَعيثون فيها إِجرامًا ومخدِّراتٍ وقتلًا واغتصابًا وطعنًا، لأَفضلية مرور، أَو صدْم سيارة، أَو أَقلِّ سببٍ وأَتفهِ حجّة، وهُم مطمئنِّون إِلى أَن لن يكونَ واحدُهم يومًا جثةً معلَّقَةً على حبْل مشنقة.
هـنـري زغـيـب