“نُقطة على الحرف” – الحلقة 1302
“غينس” الكلام المهذار
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــــد 2 نيسان 2017

لا أَعرف تمامًا حسَناتِ ما يَتَداوَلُه “نُشَطاءُ وسائِط التواصل الاجتماعي” بين فايسبوك وإِنسْتاغْرام وتوِيتر وواتسآپ وسواها، ولا أَسعى إِلى معرفتها لأَنني لا أَستخدمُها لــ”التواصل الاجتماعي” التَسْلَوِيّ المسطّح. لكنني أَعرف أَنّ لها سَـــيِّــئَـةً رئيسةً هي غيابُ الرقابة عنها، والأَخطر: غيابُ رقابةٍ ذاتيةٍ يَـقُودُها عادةً تواصلٌ اجتماعيٌّ طالعٌ من قِــيَــمِ مجتمعنا وآدابِه وأَخلاقيَّاتِه.

فعدا السخافة لدى معظم مَن يستعملونها لتبادلِ نِكاتٍ، أَو صُوَر،ٍ أَو أَفلامٍ فضائِحيَّةٍ أَو خلاعيةٍ بلا حسيبٍ أَو رقيبٍ أَو وازعٍ أَو رادع، تنحدرُ الصفاقة ببعضهم إِلى مستوى التَشاتُم والشَتيمة والشَماتة عند حصول أَمرٍ جادٍّ أَو مؤْسِفٍ أَو عَرَضيّ، كما أَخيرًا عند عـثْـرة رئيس لبنان بـخَطوةٍ خاطئةٍ في مؤْتمر عمّان.

للإِعلام أَخلاقــيّـاتُه الضابطة، وعلى وسائِط التواصُل الاجتماعي المنفلتة أَن تكون لها ضوابطُ ذاتيَّةٌ شخصيةٌ لا أَجدُها عند معظم مَن يُرسلون، بلا مسؤُوليةٍ ولا أَخلاقيّةٍ، رسائلَ أَو أَفلامًا أَو أَخبارًا تَـجعل مُرسلِيها قُرودًا مُهَرِّجين يتوخَّون الإِضحاكَ أَو الإِخبار، وتـجعل متلقِّيها سَعادين في ضَحِكهم ونَشْرِهم الإِخبار.

هذا التهريجُ في وسائط التواصل الاجتماعي يدُلُّ على خَلاءٍ في التفكير وخَواءٍ في الوقت وخِصاءٍ في القِـيَـم، كأَنّ هؤُلاء الناس لا تسليةَ لديهم ولا مُزاحَ سوى الهُزء من الناس، أَو نَشْر حقْدهم الأَسوَد ونواياهم السُود ووقْتِهم الأَجوف وانحطاطِهم المريض، كأَنّهم لم يعُد لديهم إِلَّا التعامُلُ بهذا المستوى التافه من السخافة وتبادُل الأَخبار والإِخبار. فَكُلُّ حَدَثٍ بات لدى هؤُلاء موضوعَ دُعابَةٍ صفراءَ وإِضحاكٍ بليدٍ وتعليق سخيف، ولو مَـسَّ صورةَ الوطن ومُسَلَّماتِـه ورُمُوزَه، سعيًا تجريحيًّا إِلى تَنْكيتٍ مُقَزِّزٍ، كأَننا شعبٌ يستاهل “غيـنِس” السَماجَة والسَخَافة والشَماتة الذَاتية والغَيرية.

في بعض البلدانِ الحازمةِ ضَوابطُ ذاتــيَّـةٌ رادعةٌ مبالغاتِ النقْدِ والرفْض والاعتراض وتعليقاتٍ تظلُّ مقبولةً حتى تَـمَسَّ صورةَ الوطن أَو هَيْبَةَ رُمُوزه أَو قِيَمَ الأَخلاق، عندها تتدخَّل الدولة لتَردَعَ وتُحاسِبَ وتُعَاقب. أَمَّا حين تنكسِر الضوابطُ عند سُلَّم القِيَم، وتنعدمُ الأَخلاق في التعاطي واحترام الذات وَتسخيف السوى أَيًّا يَكُنْ هذا السِوى، فالأَخلاقُ تنهار… والصفاقةُ تُــثَـار… والسَماجةُ تُـدار… وتصبح الـ”سِلْفي” السخيفةُ هي المعيار… وتَبَادُل الحكي الــ”واتْسْآﭘّــي” السخيفِ هو موضوع الأَخبار والإِخبار.

فيا بـئْـسَ مَن لا يَـجِدُون لتمضية وقتِهم الفارغ الأَجوف إِلَّا الكلامَ الـمِهذار، ويا تعْسَ بلدٍ يتحوَّل بعضٌ من شعبِه “نُشطاءَ وسائلَ اجتماعيّةٍ” لا يَنْتُجُ منهم إِلَّا الوقتُ المهدار… على تَواصُلٍ ثرثار… لا يُـمثِّل أَبدًا مُـجتمعَنا في قيمة الحوار.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib