في عدد شباط 2016 من مجلة “الواحة” الإِيطالية مقال “من الصَـفر إِلى الصَـقر” (From Zero to Hero) درسَتْ فيه الباحثة فيفيانا بريماتزي فينومينولوجيا الانجذاب فالانخراط في صفوف “الدولة الإِسلامية” (الصبايا رغبةً في النضال، والشباب رغبةً في القتال) وناقشَت أَبرز السبُل الدارئةِ أَخطارَ التذابُح الديني.
هذه الظاهرة يراها علْم السوسيولوجيا “رغبة دفينة في الذات البشرية تتمظهر في حُب الشهرة وإِثبات الذات” ولو بطُرُق ملتوية تتَّخذ ظاهرًا شعاراتٍ وشعائرَ دينية لكنها خارجَ كل إِيمان ديني. وعن مبادئ الفلسفة وعلم الاجتماع (كما في كتابات سارتر وديكارت) أَنها “مظاهر يثبت بها الإِنسان ما يعتقد أَنها حريته التي تُبيح له القتل أَو الانتحار”.
من هذا المجهر، على مبادئ الثواب والعقاب، يجدر تحليلُ الحركات الإِرهابية وتفسيرُها لأَن تحليلَها على ضوء الدين مخطِئٌ وخاطئٌ يُسيْءُ إِلى الدين الذي يَنهَى كليًّا عن أَعمال الإِرهابيين العاكسةِ غايتَهم الدفينة في الانضمام باسم الدين إِلى تلك الحركات لأَنه انضمامٌ سوسيولوجيٌّ خارج الدين تمامًا. وهؤلاء الـمندفعون من الغرب أَو من الشرق إِلى القتال في صفوف المنظّمات الإِرهابية، ينطلق تفكيرهم من أَنهم أَحرارٌ في خياراتهم ويجدُون في “حُرّيتهم” طريقتَهم في فَهم الحياة وقولبتها وفْق رؤْيتهم. لكنّ هذه ليست “حرية مسؤُولة” بل “حريةٌ نسبية” تُزَيّن لهم أَن قتْل الآخرين إِفراديًّا (اغتيال) أَو جماعيًّا (تفجير إِرهابي) هو انتقامُهم من مجتمعٍ يَرَونه بنُظُمه وقوانينه يسلُبهم حُرّيتَهم فيترجمونها بحرمان الآخرين من حُرّية الحياة. وهذا يتنافى كليًّا مع كل دين، بدءًا من الإِسلام الحنيف الذي في رأْس تعاليمه أَنّ “مَن قَتَلَ نفْسًا بغير نفْسٍ أَو فسادٍ في الأَرض، فكأَنما قتَلَ الناسَ جميعًا” (سورة المائدة، 32). ويشرحُها الفقيه العالِـمُ ابنُ كَـثِـير الدمشقي بأَنّ “مَن قَتَلَ نفْسًا بغير سببٍ من قصاصٍ أَو فسادٍ واستحَلَّ قتْلَها بلا سببٍ ولا جناية، لا فرقَ عنده بين نفْس ونفْس، فَكَأَنّما قَـتَـل الناس جميعًا“.
هكذا يَسعى المضلَّلون إِلى إِثبات “حُرّيتهم” (انتحارًا، قتلًا فرديًا أَو جَماعيًّا،…) شاعِرين بأَنهم ينتَقلون من كيانهم الـمغمور في مجتمعهم إِلى كيانٍ مشهورٍ في كل مجتمع، وبانتقالهم من الصَفر المغمور إِلى الصَقر المشهور (From Zero to Hero) يغتبطون بأَنهم سجَّلوا على حياتهم بُطولةً ولو كلَّفتْهم الموت. وأَقول الموت لا الاستشهاد، لأَن الشهادة تكون في سبيل الله لا في قتل أَبناء الله.
هذه الظواهرُ الـمأْساويةُ الـمَرَضيّةُ المؤذيةُ الفردَ والمجتمع، تجب معالجةُ جذورها وفق الظروف الاجتماعية التي، في بعض الدُول، تُولّد مظاهرَ مأْساويةً مْساويةًسوسيولوجيةً تتلطّى خبيثةً تحت رداء المعتَقَدات والمعتَنَقات الدينية السامية.
هـنـري زغـيـب
www.facebook.com/poethenrizoghaib