رَوَى لي صديقٌ يدرِّس في إِحدى الجامعات أَنه أَعطى طلَّابه امتحانًا كتابيًّا تلقَّـى بعدَه مسابقاتِهم وفي بعضها، إِلى الخط السيّـِئ الذي يَكاد لا يُقْرأُ، إِشاراتٌ يَستخدمها حاملو الهواتف الخَلَوية للتعبير عن اختصار كلماتهم برموز تعبيرية تسمى “Emoticons“، وهي مجموعة رُسوم لوُجوهٍ من طريقةِ رسْمِها يتبيَّن تعبيرُها رضًى أَو غضَبًا أَو فرَحًا أَو حُزنًا أَو موافقَةً أَو اعتراضًا، إِلى آخر التعابير التي لا تقولها الكلمات العادية فيقولها الرسم الخَلَوي.
هذه التصاوير، لتختصر المشاعر، مرسومةٌ بعلاماتِ وقْف – نقاط، فواصل، خطوط، علامات استفهام، علامات وتعجُّب، وسواها – لكن الطلّاب أَطاحوا علامات الوقْف: العودة إلى السطر ووضع نقاط وفواصل تُبنى عادةً بها العبارات والجُمَل ومقاطعُ النص.
هذه الطريقة الستينوغرافية الـمُستخْدَمة في الرسائل النصية الخَلَوية القصيرة، لا يجوز استعمالُها في كتابة مسابقة جامعية رصينة. وطلّابنا يعتمدونها في كلّ ما يكتبون فيفقِدون التعامل مع اللغة السليمة، واستعمالَ يدِهم للكتابة بخطهم بعدما بات معظم كتاباتهم على مكابس الهاتف الخَلَوي أَو مفاتيح الكومبيوتر المحمول أَو الثابت، ما يهدِّد بعد فترةٍ أَلّا يعودَ الطلَّابُ يستعملون القلم نهائيًّا.
وفي هذا خطرٌ شرس على اللغة والكتابة معًا :
1) خطرٌ على اللغة : لأَن الطلّاب يستخدمونها مجْزوءَةً مغلوطةً وغالباً بغير أَحرفها الأَصلية، فيكتبون المحكية اللبنانية أَو الفصحى العربية بأَحرف لاتينية اصطلاحية.
2) خطرٌ على الكتابة : لأَنهم سيفقدون تناوُلَ القلم للكتابة به، وإِذا كتبوا به جاء خطُّهم سـيِّـئًا غير مقروء.
إِذًا : طلابُنا يستخدمون الرموز التعبيرية في غير مكانها الطبيعي. والخطورةُ أَنهم باتوا يستخدمونها في المسابقات الجامعية، ما يدلُّ على أَنهم يستخدمونها في ما هو أَقلُّ أَهميةً من ذلك، وهذا يُبعدهم تدريجًا عن الكتابة الصحيحة واستعمالها في نص متين ذي هيكلية سليمة منطقية واعية، بينما يستعملونها مجرد وسيلةِ تواصلٍ لإِيصال خبر أَو لطرح سؤَال.
بناءُ النص المكتوب يعكِس عقْل كاتبه في هندسة النص. فأَيُّ خطرٍ يدهمنا إِذا الكتابةُ باتت ستينوغرافيةً، ذاتَ رُموزٍ تعبيريةٍ تَختزل اللغة، وتختصر الكلمات، وتُشَوِّه اللغة الأُم أَيًّا تكُن هذه اللغة !
هنا دورُ المدرِّسين في المراحل المدرسية والمرحلة الجامعية : أَن يُحَبِّبوا التلامذة والطلاب باللغة المكتوبة في تقديم نصوص لهم لا تنفِّرهم من اللغة ومن كُتَّابها وتاليًا من تراثها.
وإِذا استمرَّ الاستسهال والتهاوُن في استخدام الرموز التعبيريةِ المرسومةِ اصطلاحًا، عِوَض الكلمات التعبيرية المكتوبة كاملةً، فنحنُ مُقْبِلون على جيلٍ هجينٍ غريبٍ عن لغته وغيرِ قريبٍ من أَيِّ لغةٍ أُخرى.
ولا فرقَ أَبدًا بين الخُروج من اللغة والخُروج من الوطن.
ومَن لا لغةَ له لا يَستاهلُ نعمةَ الوطن.
هـنـري زغـيـب