لا أَعرف سبب العَداء لدى الكثيرين مع حرف القاف حتى يقلِبوه، كتابةً، إِلى همزة.
فقبل أَيام شاهدتُ أُغنية مصوَّرة وردَت فيها كلمة “رفيئي” بالهمزة عوض “رفيقي”.
وقبل فترة قرأْت في لافتةٍ إِعلانية كبيرة على أَحد السطوح كلمة “أَرَّبت الشتوية” عوض “قَرَّبِت”.
وكانت إِحدى المحطات التلفزيونية تبُثُّ برنامجًا عنوانه “إِرْبِتْ تِــنْــحَــل” عوض “قِــربِــت”.
وثمة انتهاكاتٌ أُخرى تطال بعض الكلمات، ككلمة “خصم” والمقصود “حسْم”، أَو كلمة “زكريات” عوض “ذكريات”.
هذا التهاون في كتابة كلمات اللغة العربية دليلُ جهل من جهة، واستسهالٍ من جهة أُخرى، ما يؤَدي إِلى فسادٍ في العقل وخرابِ تضليلٍ لعقول الصغار الذين يرَون اللغةَ في كتبهم مكتوبةً بغير ما يقرأُونه في بعض الأَماكن العامة.
يتحجَّج البعض بشعار “أُكتُب كما تلفِظ” وهو شعار مرفوضٌ لأَن قلب القاف همزةً لا يصُحُّ على ملايين الناس الذين، في أَكثر الدول العربية، يلفظون القاف شفويًّا كما يكتبونها خطياً، ولا يقلِبونها شفويًّا إِلى همزة ويُـبقون على القاف كتابيًّا.
هذا القلْب إِلى همزة، كيف يصُح مثلًا في عبارة “القرآن الكريم”، أَو في كلمة “القاهرة”، أَو في كلمة “دقيقة” التي يكتبها الجميع بالقاف مع أَن كثيرين يلفظونها بالهمزة.
إِذًا هذا اللفظ المشوَّه المشوِّه يُفسد الكتابة مرتين: أُولى تؤْذي لفظ الكلمة، والأُخرى تؤْذي قراءتها بالعين التي اعتادت أَن تقرأَها بالقاف وفجأَة تصطدم بها مكتوبةً بالهمزة. أَقول هذا وأُفكّر بصغارنا الذين يتعلَّمون في الصف قراءة اللغة السليمة، وترتطم بها عيونهم مشوَّهة، في إِعلان، في برنامج تلفزيوني، في لافتةٍ على الطريق، وحجّة هؤُلاء المشوِّهين: “أُكتُب كما تلفِظ”، فيكتبون “تمسال” عوض “تمثال”، و”تلميز” عوض “تلميذ”. وفي هذا تهديمُ اللغة الأُم، وتاليًا تهديمُ العقل، لأَن منطق اللغة هو أَوَّلًا نتاجُ العقل.
وفيما كُبرى الهيئات الدولية (بدءًا من الأُونسكو) تخصّص يومًا عالَـميًا لِـلُّغة الأُمّ، حفظًا إِياها وحفاظًا عليها، وبينها لغتُنا العربيةُ الأُمّ، ننحدر نحن إِلى انتهاك هذه اللغة باعتماد محكيةٍ فوضويةٍ حُرُوفًا وكتابةً واستخدامًا غيرَ مسؤُول.
وإِذا كانت كتابةُ اللغة الـمحكية تُشَوِّهُ اللغة التي بها تُكتَب، فلا كانت المحكية، ولا كان استخدامُها خـطِّـــيًّا، ولا كانت كتابتُها التشويهيةُ التي تَصدُم العين، وتؤْذي العقل، وخصوصًا خصوصًا: تُـفسد منطق الجيل الجديد.
هـنـري زغـيـب