“نقطة على الحرف” – الحلقة 1271
“أُريد أَن أَكون… رئيسةَ مهرجان”
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحـد 28 آب 2016

رَوَت لي السيدة مي عريضة أَنها كانت سنة 1947 برفقة الوزير اللبناني المفوَّض يومها كميل شمعون وزوجتِه السيدة زَلفا، يحضرون مارغو فونتين ترقص باليه “بحيرة البَجَع” لتشايكوفسكي في “أُوﭘــرا هاوس” لندن. وإِلى مائدة العشاء في مقَرّ السفارة بعد العرض، قال لهما كميل شمعون: “إِذا أَصبحتُ يومًا رئيسًا للجمهورية في لبنان سأُنشِئُ احتفالًا سنويًّا يستضيف إِلى لبنان كبار نجوم الفن في العالم”.

وبالفعل أَصبح كميل شمعون رئيسًا للجمهورية سنة 1952، وحقَّق حُلمه بإِنشائه مهرجانَ بعلبك سنة 1956، تولَّت رعايةَ لجنتِه زوجتُه السيدة زَلفا، ومعها صديقتُها مي عريضة مسؤُولةً عن العروض الأَجنبية. وما هي حتى تولَّت مي عريضة رئاسة اللجنة فأَتت سنة 1961 بمارغو فونتين ذاتِها إِلى بعلبك قدَّمت أَمام هيكل باخوس عرضَ الباليه ذاتَه “بحيرة البجع” كما كانت شاهدَتْه السيدة مي في لندن قبل أَربعَ عشْرَةَ سنة.

إِلى هذا الطموح العالَـميّ كانت ترنو لجنة مهرجان بعلبك الذي يحتفل هذه السنة بستين تأْسيسه، بدَأَ وحدَه قبل ستة عقودٍ حريصًا على أَعلى مستوى عالَـميّ من العروض المسرحية والغنائية والراقصة، وشهِد مدرَّج جوﭘــيتر وهيكل باخوس عُروضًا كبرى اعـتــزَّ أَصحابُها في سيرتهم الفنية بِذِكْر أَنهم قدَّموا عرضهم في مهرجان بعلبك. وتأَسَّس بعدَه عددٌ لائقٌ من المهرجانات الكبرى سعَت منذ انطلاقتها إِلى الحفاظ على مستوى المهرجان ثقافيًّا سياحيًّا راقيًا مُثَـقَّفًا ومُثَـقِّفًا.

اليوم، بعد ستين سنةً على تأْسيس أَول مهرجان دولي في لبنان، أَتطلع فأَرى عددًا ضئيلًا من المهرجانات الرصينة تستحقُّ اسم “مهرجان دُوَلي” تستضيف إِليه كبارَ النجوم مسرحًا وغناءً، وتُنتج أَعمالًا داعمةً رصينَ الفنِّ اللبناني وأَركانَه المبدعين، بينما انتشرت في معظم القُرى والبلدات والدساكر والمدُن اللبنانية حفلاتٌ غنائيةٌ عاديةٌ تنتقل هي ذاتُها، كما هي، من المقهى والمطعم والفندق إِلى ساحة الضيعة وتتَّخذ اسم “مهرجان” وليس فيها شيءٌ يستحقُّ هذه التسمية.

وإِذْ درَجَت العادة أَن ترأَسَ سيدةٌ لجنة المهرجان، انتقلت هذه الدُرجة إلى هذه الحفلات النابتة كالفطر، في كلّ دسكرة، بِــلِجَانٍ تَـرئِس كلًّا منها سيدةٌ هي غالبًا زوجةُ مسؤُول أَو سياسي أَو زعيم، فيصبح المسمّى “مهرجان” مناسبةً لمديح رئيسة المهرجان ونشاطِها و”جهودِها الجبارة” للترويج الثقافي والسياحي، وتقريظِ شخصها الكريم يتبرَّع به مقدِّمو البرنامج أَو مَدَّاحو المنطقة زَجَلًا أَو كلامًا تبخيريًّا رخيصًا، ويتمُّ توشيحها في نهاية الحفلة بهدايا رمزيةٍ أَو تذكارية.

المرأَة اللبنانية أَثبتَت في أَكثرَ من مهرجانٍ لائقٍ رصينٍ أَنها جديرةٌ بقيادة المهرجان ولجنتِه إِلى المستويات اللائقة محليًّا وعالَـمِـيًّا، غير أَن هذه الطَفْرة التي نَبَتَتْ على حفافي تسمية المهرجان لم تَعُد إِلَّا كاريكاتورًا للتَنَدُّر.

مساءَ أَمس، في سهرةٍ لدى صديقٍ في فرنسا جاء يُمضي بعض الصيف بيننا، روَى لي عن نسيبٍ له في الجبل سأَلَ ابنتَه الصغيرة عما “تَسْتَحلي” أَن تكون عندما تكبَر، فأَجابت: “أُريد أَن أَكون… رئيسةَ مهرجان”.

 هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib