“نقطة على الحرف” – الحلقة 1263
لها وحدَها أَمنُـنا وأَمانُـنا
الأَحد 3 تـمُّوز 2016

          بقدْرِما كان مؤثِّرًا مشهدُ الوَداع في مأْتَـم شهداء القاع بهذا الحشد الوطني الجامع أَقطابًا ومواطنين من جميع العائلات الروحية اللبنانية، كان استعراضيًّا مشهدُ مواطنين ومواطنات بالأَسلحة زاد من استعراضه انتشار صُوَرٍ على مواقع التواصل الاجتماعي لسياسيين بين المواطنين المسلّحين كما تأْيـيداً لهذا التسلُّح المدني.

          مع كل تفهُّمنا مشاعرَ أَهل القاع وأَحقِّــيَّــتَـهم في الحذَر والتنبُّه، ثمة في التسلُّح المدني خطُورةٌ مثلَّثة:

          أَولًا لأَن الانتحاريين الإِرهابيين، وَفْـق المعلومات الرسمية، لم يقصدوا القاع مقَرًا لعملياتهم بل مَـمـرًّا، وإِن هُم استقروا فيها لتحضير أَحزمتهم الناسفة وقنابلهم للانطلاق إِلى مناطقَ لبنانيةٍ أُخرى مرسومةٍ لهم.

          ثانيًا لأَن التسلُّح المدني مرشَّـحٌ للتمدُّد إِلى كل منطقة لبنانية يحدُث فيها ما حدَث في القاع، فينزل إِلى الساحات والشوارع مواطنون مسلَّحون بحجة الدفاع عن بلدتهم وتأْمين الأَمن الذاتي.

20140805_74726

ثالثاً لأَن جيشنا الرائع لم يقصِّر أَبدًا في القاع بإِجراءاتٍ فورية أَدّت إِلى كشفِ ما تـمَّ اكتشافُه واتخاذِ تدابيرَ تقي المناطق اللبنانية من أَحداث مماثلة.

وما يقوم به جيش لبنان على حدودنا الشرقية بصمْتٍ ومهنيةٍ واحترافيةٍ عالية، وخصوصًا بدون استعراضاتٍ مجانية، يغْني عن الكلام والوصف والتحليل والتنظير.

          عشية انفجار 1975 كنا أَمام غلَيانٍ من التسلُّح الشعبي السري بين المواطنين، غذّاه جَـوٌّ علني من شحن سياسي وطائفي مارسه قادةٌ وزعماء سياسيون، أَدى إِلى خمس عشرة سنةً من الحرب المدمرة. فهل استعراضُ المواطنين اليوم بأَسلحتهم في الشوارع والساحات يعيدنا إِلى عشية 1975؟

          وهل يمكن أَن نتصور حدَثًا يقع في الشوف أَو طرابلس أَو صور أَو كسروان، يؤَدّي إِلى انتشار مواطنين مدجَّجين بأَسلحتهم ملءَ الشوارع والساحات في الشوف أَو طرابلس أَو صور أَو كسروان، وبينهم سياسيُّون يشجعونهم على ذلك؟

          إِن كان هذا التسلُّح ضدَّ الإِرهاب، فجيشنا بجميع فصائله الأَمنية ليس مقصِّـرًا في ذلك.

          وإِن كان للأَمن الذاتي، فهذا الأَمن الذاتي قنبلةٌ موقوتةٌ أَشدُّ فتكًا وأَوسعُ خطرًا من حزام ناسف على خصرِ إِرهابي.

          وإِن كان للدفاع عن البلدة أَو المدينة أَو المنطقة فعلى البلدة والمدينة والمنطقة السلام حين تنتشر فيها فوضى السلاح.

          الأَمنُ للقوى المسلّحة وحدَها بمخابراتها الذكية ومعلوماتها الخفية وأَسلحتها الميدانية، وكلُّ سلاح خارج شرعية الدولة خطــرٌ على الدولة داخلًا ومحيطًا.

          فلنتركْ لجيشِنا ساحاتِنا والأَمنَ والأَمان، ولنقِف لا مكانَه بل حدَّه ووراءَه ومعه ومن أَجله وبتعليماته، ولنتعلَّمْ من خمسَ عشرةَ سنةً لبنانيةً كان فيها السلاح بين المواطنين وأَدّى بِـبلادنا إلى خرابٍ لم نَصْحُ منه بعد.

          والتحيةُ أَولًا وأَخيرًا لقِوانا المسلَّحة التي، بـعـزْمِها وحَـزْمها وحسْمها وأَبطالها وشهدائِها، وحدَها تَـحمينا، وإِليها نوكِل أَمنَـنا وأَمانَـنا ضدّ كلِّ إِرهابٍ، وفي وجه كلّ تَرهيب.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib