أَثار “مواقعَ التواصل الاجتماعي” – وما أَسخفَ معظم ضجيجِها وقلّة مسؤُوليته – “حدَثٌ” بالصورة والـﭭـيديو في حرَم الـﭭـاتيكان ترأَّسه البابا فرنسيس إِبّان جلسة عامة لـمؤتمر “جسر أَو جدار” ترويجًا لمنظمة “تعاضد المدارس” التي أَسسها الباب تحت شعار “ضد منطق الجدار الفاصل، المدرسة تبني الجسور” وهدفها: “تعليم الشباب من جميع الجنسيات والأَديان”.
“الحدث” لم يكن الجلسة ذاتها بل في الجلسة: كان بين الحضور رجلٌ شرقي الملامح يعتمر طاقية أَندلسية توهَّم بعض قصيري النظر أَنه “مسْلمٌ في الفاتيكان” وظَــنُّوا به متسائلين عن هويته وسبب حضوره، حتى انكشفت الحقيقة الصاعقة بأَنه ليس مسْلمًا ولا عربيًّا بل مكسيكي مُشارك في المؤتمر الذي يرمي إِلى “السلام عبر التربية والتعليم”.
وعدا سخافة الطرح (“مُسْلم في الفاتيكان”)، خصوصًا بعد لقاء تاريخي حقَّقه البابا فرنسيس باستقباله شيخ الأَزهر أَحمد الطيب في الـفـاتيكان (23 أَيار الماضي)، تتجلى سخافةُ الظن في الحكْم المسبق الـمُتسرِّع على الثوب والمظهر والملامح، وسْط موجة فوبيا ضِــلِّــيـلة تسبِّــبُــها جماعات تكفيرية لا علاقة لها بجوهر الإِسلام ورسالته السامية.
وما أكثر ما في مجتمعاتنا من أَحكام مسْبَقة خاطئة تشوّه جوهر الناس بِـحُكمها على مظهرهم. من هنا تتالي التحذيرات أَمثالًا وحِكَمًا، كمقولة الكاتب اليوناني إِيــزوپ: “لا تحكموا على جودة الخمر من مظهر الكأْس”، والمقولة الرومانية “اللحية لا تصنّف الفيلسوف”، والمقولة الأَلمانية “ليس طاهيًا كلُّ من حَـمَل سكينًا كبيرًا”، والمقولة الفرنسية “الجبَّة لا تسِمُ الراهب”، والمقولة الحديثة: “الثوب الأَسود لا يصنِّف القاضي ولا القبَّـعة البيضاء تصنِّف الطبيب”.
في سياق المظهر تنطبق هذه المقولات على “حدث” الـفـاتيكان، فــ”لابس الطاقية ليس بالضرورة مسْلمـاً”. وفي سياق النطق تندرج حادثةُ تمييز عنصري في 15 تشرين الثاني 2015 يوم تأْخير إِقلاع طائرة في شيكاغو لأَن “أَربعة ركاب ذوي ملامح شرق أَوسطية” أَثاروا ريبة بعض الركاب.
إنه المظهرُ يوحي أَحيانًا بما ليس فيه: فلا ثوبُ الكهنوت يجعل لابسَه دائمًا أَهلًا له، ولا ارتداءُ الجبّة يجعل لابسَها دائمًا مرجع أَبناء دينه، ولا الدين الحنيف يَرضى بصرخة الحلّاج “ليس في الجبة إِلّا الله”.
إِننا نعيش عصرَ الذعر في أَتون من الشك والقلَق، بناه في الواقع الهش وفي الأَذهان الضعيفة صقلوبٌ رهيبٌ بعضُ هدفه دينـيٌّ جانحٌ وبعضُه الآخر عنصري ظالـم، كأَنما الشعوب محكومة بلعنة قايــين قاتل أَخيه هابيل.
وما يحصل في شرقنا وفي محيطنا، من تدمير ومجازر جَـماعية وتهجير فاجع، يَـجعلُنا نتعانق أَشدَّ في عطفةٍ إِنسانية واحدة تَدين بإِله واحدٍ رحمنٍ رحيم، هو الموئِل وهو وحده الملاذ.