حملَت إِلينا “لوموند” صباح الإِثنين هذا الأُسبوع اكتشافَ إِذاعة “بي.بي.سي” مجموعةَ رسائل “خاصة” بين البابا يوحنا بولس الثاني والفيلسوفَة الأَميركية الـﭙـولونية الأَصل آنَّـا تيريزا تيمـيـيـنـيــْتـشكا منذ 1973 وكان فترتـئذٍ “الكاردينال كارول ﭬـويِـيـتـيلا أُسقف كراكوﭬـيا”، وتواصلت المراسلة بينهما مع انتقاله إِلى روما حَـبرًا أَعظم سنة 1978 باسم “يوحنا بولس الثاني”.
الرسائل المكتشَفة بخطّ البابا تشيرُ إِلى حنانٍ منه إِليها عميقٍ وميلٍ منها إِليه قويٍّ جعلَه يصارحها في 10 أَيلول 1976: “يا عزيزتي تِـريزا: وصلَـتْني رسائلُك الثلاث وفيها ما تعانين من تَـمَـزُّقٍ عاطفي لا أَجد كلماتٍ تَشفيه سوى أَنك لي هبة من الربّ. منذ العام الماضي أَبحث كيف أُجيب بَـوحَكِ لي: “أَنا أَنتسبُ إِليكَ” حتى وجدتُ الحلّ، وأَنا أَستعدُّ لـمغادرة ﭘـولونيا إِلى روما، بإِهدائِكِ كَـتِـفِـيَّـتي (وشاحٌ شخصيٌّ يلبَسه الراهب على كتفيه). إِقبليها مني فأَشعر بحضورك في جميع المواقف، قريبةً كنتِ مني أَو بعيدة”.
هكذا إِذًا يَـفهم الحُبَّ هذا الراهبُ الذي لم يُفْقِدْهُ الحبُّ نَذْر بَـتـوليَّـتـه، هو الذي وضع أُطروحته للدكتوراه عن الحُب في العلاقة الزوجية، فخطَّ رسائله إِلى تلك الفيلسوفة – مؤَسِّسة “المعهد العالمي للفينومينولوجيا”- محافظًا على الشُعلة المقدَّسة بـيـنـهما بكل طهارة الحُب الحقيقي الذي يرفع الأَرضَ إِلى السماء، على هدْي الذي عـلَّم :”أَحبُّوا بعضَكُم بعضًا” (alter alterum diligite) والذي قال: “ما جئتُ لأَحكُم العالم بل لأُخلِّص العالم”. وعلى هداية الخلاص في الحُب الحقيقيّ، أَعطى البابا أُمثولةً خالدةً عن الحُب السامي الأَبعد من ترابية الإِنسان، المرتفِع في نُـبله العالي إِلى رابطٍ نهائيّ بين كل امرأَة ورجل، أَقوى من زوالية العواطف والشهوات والرغبات.
وبهذه القناعة كان أَوّل بابا جَــرُؤَ على الحديث عن قُدسية الجِنس بين الرجل والمرأَة لا وسيلةَ إِنجاب وحسْب بل “عطية حب” لتـثبيت الاتحاد التام بين المرأَة ورَجُلِها. وسنة 1960 كتبَ في إِحدى مسرحياته: “ما يُـمتِّـن الحُب بين الرجل والمرأَة ليس الشغف وحده يعصف بهما بل خشوعُهما أَمام الحُب في جوهره الحقيقي”.
هنا السرُّ الأُعجوبـيُّ: الخشوعُ أَمام الحُبّ، الحُبّ الأَعلى من الأَرضيات، الأَبعدُ من اليوميات، الأَنقى من الآنيات، الذي لا يأْتي إِلّا مرة واحدة – مرةً واحدةً فقط – في العمر ويغيّر بطهارته وصدْقه كُلّ العمر.
آنَّا تريزا التي أَحبَّت هذا الرجل العظيم الذي ملأَ العالم بتعاليمه في الحُب والسلام، عزاؤُها أَنها عاشَت حتى شهِدت تطويـبه قدّيساً (24 نيسان 2014) فذهبت إِلى الموت بعد 6 أَسابيع (7 حزيران 2014) هانئةً بِـحُبَّها النقيّ جعلَها تعيشُ فَرادةَ أَنها أَحبَّت رجلًا بلَغ بالحُب سُـمُـوًّا حتى نعمة القَداسة.
_________________________________________
* “النهار” – السبت 20 شباط 2016