نقطة على الحرف- الحلقة 1239
الحَـل… في ترحيل العاجزين
الأَحد 17 كانون الثاني 2016

        في القاموس السائِد هذه الأَيام كلمة “ترحيل”، تطالعنا في كلّ نشرة أَخبار أَو صفحة جريدة.

          وإِن جديدةٌ هي عندنا، فهي ليست جديدةً على الدُوَل.

أَفتح بعض العناوين وأَقرأُ:

  • “خططُ ترحيل الفلسطينيين: مجموعةُ عملياتٍ وإِجراءاتٍ قامَت بها الميليشيات الصُهيونية وتقوم بها حكومة إِسرائيل”.
  • “ترحيلُ قاطني الأَحياء الشعبية القصديرية الفقيرة إِلى مساكن جديدة”.
  • “ترحيلُ مهاجرين شرعيين يُشكِّلون خطرًا يُـهدِّد المجتمع الأَميركي”.
  • “ترحيلُ الآلاف من المدنيين إِلى المناطق الآمنة خارجَ مرمى القصف ودائرة المعارك”.
  • “ترحيلُ الأَجانب المخالفين قانونَ الإِقامة ومراعاةُ ظروف مواطني الدول المنكوبة”.
  • “وسائلُ قانونيةٌ لتجنُّب عملية الترحيل، واحترامُ اتفاقية دَبْلِن للّاجئين”.
  • “موافقةُ أَلمانيا على ترحيل المهاجرين مرتكبي الجرائم”.

… ولا ينتهي التَعداد ولا تنتهي قراءاتُ العناوين عن الترحيل.

هكذا إِذاً: فيما دُوَلُ العالم مشغولةٌ بترحيل جنسياتٍ ومجرمين ولاجئين على مستوًى محليّ ودوليّ مصيريّ، هوذا لبنان في مستوى مصيريٍّ آخَر: ينشغل، يا عافاه الله، بـــ”ترحيل” النُفايات.

لا أَظنُّ بلَدًا في العالم أَصابه الارتباك والشلَل والضَيَعان والهَذَيان والتَـيَـهان والدَوَخان أَمام كيس نفايات كما يحصل عندنا.

في جميع الدُوَل لا يشعُر الناس بزبائلهم، وعندنا باتت أَزمة النُفايات هَـمَّ هُموم المواطنين، وشُغْلَ المسؤُولين وتهافتَهم على تسويق صفقاتهم وتشغيل محارقهم واستغلال المطامر والمكبّات، حتى احتلَّت الزبائل مانشيتاتِ الصحف ومقدِّماتِ نشرات الأَخبار وأَحاديثَ الأَوساخ في الصالونات النظيفة.

هوذا الحُكْمُ عندنا: بين موافق ومعترض، وبين مُضْمِـرٍ سرًّا ومُطالِـبٍ بكشْف مستور، تتكدَّس زبائلُ الناس أَمام بيوتهم وعلى نَواصي شوارعهم فَيَتَلَقَّون ميكروباتِها وﭬـيروساتِها وأَوبئتَها وقوارضَها وحشراتِها وذِبَّانها وبَعُوضَها وجَراذينَها وفئرانَها وسمومَها ورائحتَها والسرطانَ في دخان حرائقها، وفوق كلّ هذا “يَـحْـلَـنْـشِـشُ” حضرة المسؤُول الأَشْوَس فـ”يَـشْـمَـخِـــرّ” و”يَـسْـبَـطِــرّ” ويضع المسؤُولية على الشَعب والحكومة، فيما هو من نصّ دِين الشعب، وراتعٌ في نصّ دين الحكومة.

هذا اللبنان الذي كان يوسَمُ بـــ”سويسرا الشرق”، قادرٌ فعلًا أَن يكون “لُــؤْلُــؤَةَ العالم” و”زنبقةَ الدنيا”، إِنما لا بهكذا مَسؤُولين: كلٌّ منهم يَـتَّهم الآخر، يترافَسُون كُرَة المسؤُولية ويتجاذَبون حَـبْـل الترحيل، غيرَ مُدركين بأَنّ الشعب بات مستعدًّا أَن يتجاوزَ كلَّ مشكلة بلا حل، إِلّا حلًّا واحدًا يرفض الشعبُ أَن يتجاوزَه: ترحيلُ الذين يَعجَـزُون عن ترحيل مشكلة النفايات.