أزرار- الحلقة 921
(*)Fast food/Fast reading
السبت 19 كانون الأَوَّل 2015

                قبل اليوم، بطيئةً كانت معرفةُ ردود الفعل على كِتابٍ صدَر، أَو نَـصٍّ في جريدة (إلاّ في زاوية “بريد القـرّاء”).

                اليوم، مع انتشار المواقع الإِلكترونية واندلاع وسائط التواصُل الاجتماعي، بات ردُّ الفعل فوريًّا وعددُ المعلّقين مباشرًا يشير إِليه عددُ الإِنترنـتـيّـين الـمُتابعين.

                غير أَنّ لهذه الفَورية الإِلكترونية مدلولًا آخَرَ أَهَمّ: معرفةُ “ماذا يقرأُ الناس”؟ وهنا نلاحظ أَن العدد يرتفع مع أَخبار الفضائح الصادمة، والأَحداث السياسية، والحوادث الجنسية، والمتابعات الاجتماعية، والجدل الحادّ، وجديد الفنانات والفنانين، ومواقع الفلَك والطبخ، يتداولُها الإِنـترنِــتـيُّـون تَراسُلًا على صفحاتهم بين “فايسبوك” و”تويتر” و”إِنستاغرام” و”واتسآپ” وسواها، بينما ينخفض العدد حتى حدوده الدُنيا مع مقالات ثقافية ونصوص أَدبية وأَخبار علْمية وما شابه، كأَن هذه لم تعُد تَهمُّ الـمَـساحة الكبرى من مُتابعين يفضّلون عليها الخبرَ السريع والحدثَ العابر والموضوعَ الرائج، غير مهتمّين لـمواضيع رصينة تعلو بقُــرّائها إِلى التأَني والتدقيق والإِفادة.

                تأْخذني هذه الظاهرة إِلى مثيلَتها في موجة الوجبات السريعة (Fast food)، انتشرت بين الناس فأَقبلوا عليها بنَهَم العَجَلة والاسترخاص وسرعة اقـتـنائها وتَـنـاوُلها أَطعمةً جاهزة، ملتهمين سندويشات الـ”همبرغر” والـ”تشيز برغر” والـ”هوت دوغ” والبطاطا المقلية بزيوت مَنقولة من وجبة إِلى أُخرى وأَطعمةٍ أُخرى معلَّبة يدفعون ثمنها البخس ويلتهمونها مع مشروبات غازيّة وُقُوفًا أَو سَـيرًا، لا يُدركون سوء تغذيتها إِلّا بعدما تصيبُهم البَدانة وأَمراضٌ وعوارضُ شتى بسبب كاوتشوكية الأَطعمة فيها وقلة الغذاء في مكوّناتها.

                اليوم، بعدَ تَفَشّي تلك العوارض، أَعرَض معظم الناس عن تلك “السموم السريعة” وعادوا يُـقْبلون على وجباتٍ بطيئة (Slow food) مـجَهَّـزةٍ بوقتها الطبيعي وحاملةٍ غذاءَها الكافي إِفادةً وتغذيةً، يتناولونها جُلوسًا غير متسرِّعين، وجباتٍ بـيـولوجيةً وطبيعية ومنتجاتٍ عضويةً بدون موادّ حافظة كيميائية أَو سنتيتيكية، ويُمعن البعض في اتّباع حِـمْية خاصة بوجبات خاصة متأَنية صحية.

                هذه العودة إِلى الوجبات الـمُغَذّية والإِعراض عن تلك السريعة، لا بُـدّ من عودةٍ مماثلةٍ لها في القراءة فـيُعـرض الناس عن “الوجبات السريعة” بقراءة مواضيع نافلة تافهة، ويُقْبلون بتمهُّلٍ (Slow reading) على مواضيع دسمة بدون بدانة، عميقة بدون مواد ترغـيـبـيـة آنية عابرة عاجلة، زائلة مع انقضاء نشْرها في المواقع والصحف ووسائط الاتصال والتواصل.

                الوجبات السريعة تسمِّم الجسد، والقراءات السريعة تسمِّم العقل.

                وكما تَعمَد المدارس إِلى تنبيه تلامذتها على ضَرَر الوجبات السريعة وتوجيهِهم إِلى الأَطعمة الـمُغذّية، هكذا لا بُـدّ أَن يَعودَ القراء إِلى متابعة قراءاتٍ صحية تغذّي عقولهم وثقافتهم، وتُنقذُهم من بدانةٍ عقلية هي أَسوأُ بكثيرٍ من بدانة الجسد.


*) النهار السبت 19 كانون الأَوّل 2015