نقطة على الحرف- الحلقة 1233
احترامُ اللغة من احترام الهوية والشخصية
الأَربعاء 9 كانون الأول 2015

          مسابقة “إِملاؤُنا لغتُنا”، المخصَّصةُ في الجامعة الأَنطونية للإِعلاميين وطُلاّب الصحافة والإِعلام الجامعيين، أَظهرَت تفاوُتاً واضحاً في صفوف الإِعلاميين والإِعلاميات من حيث تعامُلُهُم مع العربيةِ لغةً وأَداةَ اتِّصال وإِيصال.

          ومع أَن نصَّ الإِملاء الذي هيَّأَه الإِعلاميّ بسّام بــرّاك لم يكن بالصعوبة القاسية، وَضَح السبتَ الماضي في مسابقة هذا العام أَنّ بعض الإِعلاميين في حاجةٍ إِلى دوراتٍ تدريبية في اللغةِ العربيةِ أَداةِ عمَلهم وواجهةِ ظهورِهم على الشاشة وجلوسِهم وراء الميكروفون وإِلى مكتب التحرير في الجريدة.

          صحيحٌ أَنْ ليس المطلوبُ من الإِعلاميين إِتقانَ اللغة الـمُقَـعَّـرة والكلمات الصَعبة والمفردات المعقَّدة، لكن نصَّهم الإِذاعيّ والتلـﭭـزيونيّ من البساطة بحيثُ لا يَـجوز تقديـمُه في خطإٍ لفظيٍّ أَو إِعرابي. وأُشدِّد على كلَيهما معاً: فاللفظُ من هِناتِ إِعلاميين لا فرقَ لدى معظمهم بين (ث) و(س)، بين (ذ) و(ز)، بين (ك) و(ق)، بين (ا) مائلة و(ا) مفَخّمة، إِلى سائر متطلّبات اللفظ السليم. أَما الإِعراب فهناتٌ غيرُ هيِّنات لدى معظم المذيعين والمذيعات في رفْع منصوبٍ أَو نصبِ مجرورٍ أَو فتْحِ مرفوع، عدا أَخطاء تشكيل الجمع المؤَنّث السالم وسْط الجملة، أَو التنبُّه إِلى الممنوع من الصرف، أَو رفعِ اسم إِن وأَخواتها أَو نصْبِ اسم كان وأَخواتها، أَو رفْعِ خبرِ هذه ونصْبِ خبرِ تلك، أَو تكسير عين المضارع في الأَفعال الثلاثية ومشتقّاتها، وفي هذا كلِّه ما يَجْرح أُذُن المتلقّي المطّلع، وخصوصاً يؤْذي التلامذةَ والطلاّب الـمُصْغين إِلى نشرات الأَخبار والبرامج الحوارية وسواها من التي تعتمد العربية أَساساً لبثِّها.

          مرفوضٌ أَيُّ اعتراضٍ مُدافِـعٍ عن مرتكبي هذه الأَخطاء بحجّة أَنّ المهمَّ إِيصالُ الفكرة وأَنْ ليس جميعُ المتلقّين خبراءَ لغة. هذا الدفاع مرفوضٌ لأَنه يفترض الـمُـتلقّين أُمِّيين أَو جَهَلَةَ لغة لن يتوقَّـفوا عند خـطـإٍ لُغويٍّ أَو لفظيٍّ لأَنّ اهتمامَهم يتركّز على المضمون لا على اللفظ والأَداء. هذا الاعتراضُ ليس خَطَــأً بل خطيئةٌ لأَنه يَستهين بلُغةٍ عظيمةٍ هي لغتُنا الأُمُّ التي لا يَجوز جَرحُها بخطإٍ لفظيٍّ أَو إِعرابي، تماماً كما لا يَجوز، وبكُلّ صَرامةٍ وقَسْوة، لـمُذيع فرنسيّ أَو إِنكليزيّ أَو إِيطاليّ أَو إِسـﭙـاني أَو من أَيِّ جنسيةٍ أَن يُخطئَ في قراءة نَصّه أَو أَن يرتكبَ في نصه المكتوب أَخطاءَ لغويةً، ولغتُه الأُمُ هي أُمُّ أَدواتِ عمله.

          احترامُ اللغة، مكتوبةً أَو مُذاعةً، من احترام الهُوية والشخصية. وطالما إِعلاميُّونا يستخدمون العربيةَ، لغتَنا الأُمَّ، أُمَّ أَدواتِ مهنتهم اليومية، عليهم بالإِصغاء جيِّداً إِلى التجويد القرآني لتحسين لفْظهم ونُطْقهم ومخارج حروفهم، وعليهم بالخضوع لدوراتٍ تدريـبـيّـة في اللغة العربية تماماً كما يَخضعون لدورات تدريـبـيـة تكنولوجية لتحسين عمَلهم وتطوير مهنتهم ومجاراةِ العصر تقْنياً وتكنولوجياً.

          وليس نقصاً خضوعُهم لتلك الدورات، فاللغةُ العربية تستحقُّ تجويدَها وإِتقانَها، تماماً بأَهمية الاطّلاع على الجديد التكنولوجيّ، فمن العار إِتقانُ التكنولوجيا ثم تقديمُها إِلى المتلقّين بِلُغَةٍ ليسَت على مستوى ذلك الإِتقان.