ما إِن وقعَ الصاعقُ الإِرهابيُّ في برج البراجنة مساءَ الخميس الماضي حتى هُرعَ السياسيّون مُتهافتين إِلى ساحة الانفجارَين المجرمَين يتَسابقون إِلى التصريح أَمام الكاميرات والـميكروفونات، مُزايِدين في الحديث عن التعايُش والعيش المشترَك والتضامن الوطني واللُحمة اللبنانية والتكاتف المواطني وتوصيف الواقعة بأَنها “جريمة موصوفة” وأَنها “جريمة مستنكرة”، وانهمَرَت على وسائل الإِعلام مرئِيِّها والمسموع والمكتوب استنكاراتُ السياسيين واستهجاناتُهم وتصاريحُهم ووقوفُهم دقيقةَ صمتٍ وإِعطاؤُهم توجيهاتِهم الرشيدة وإِدلاءاتُهم الحزينة الآسِفة وتسابُقُهم إِلى ابتكار النعوتِ الشاجبة وكلماتِ الإِدانة والحزن والأَلم والغضب، وتعابيرُهم الـمُؤَاسيةُ باستمطار شآبيب الرحمة على الضحايا والعزاء لذويهم والتمنياتُ بشفاء الجرحى والمصابين والأَسى واللوعة على الخسائر المادية التي سبَّـبها الانفجاران المجرمان.
هكذا إِذاً؟؟ أَكان يجب أَن يَسقطَ أُولئك الضحايا الشهداءُ الأَبرياء حتى يُهرَع السياسيون إِلى إِعلان تضامُنِهم وتكاتُفِهم وإِصرارِهم على وحدة الصف وتجاوُزِ الخلافات السياسية والتبايُـناتِ الاصطفافية والالتفافِ حزمةً واحدة في مواجهة الإِرهاب؟؟
أَفلا يجتمع السياسيون عندنا صفّاً واحداً إِلاّ فقط في حالات “العوض بسلامتكم” و”رحم الله الشهداء” وطلبِ “العزاء لذويهم” وَتَـمَنّي الشفاء للمصابين؟
أَفما كان أَجدر بهؤُلاء السياسيين أَن يلتمُّوا في الأَوضاع العادية وفي حالات الهدوء والسلْم فيَعُوا ضرورةَ تفويتِ الفُرَص على المؤامرات والتنادي إِلى الوحدة الوطنية وتثبيتِ جهوزية القوى السياسية مثلما يطالبون بـجهوزية القوى الأَمنية وبمشهد لبناني موحَّد، ودعوتَهم إِلى رصّ الصفوف للمواجهة، وإِجماعَهم على رفض المؤَامرة، ودعوتَهم إِلى يقظة المواطنين بينما الأَجدرُ أَن يكونوا هُم على يقظةٍ مسؤُولة؟
هل كان يجب أَن تَقَعَ الفاجعةُ ونخسرَ من شعبنا أَبرياءَ مساكين حتى يتنبَّهَ الأَفرقاء السياسيون إلى ضرورةِ أَن يتخلّوا عن نكَدِهم الاصطفافيّ ومتاريسِهم الإِعلامية وتصاريحِهم المسعورة وانشقاقاتِهم الفاضحة وعناداتِهم الأَنانية الشخصانية ومصالحِهم الشخصية فيتَّحدوا من أَجل لبنان، كلّ لبنان، بجميع مناطقه وطوائفه وتياراته وأَحزابه وحاضره الاقتصادي ومستقبله المصيري؟
صحيح أَن اتحادَ السياسيين بوحدتهم لن يُوقِف المؤَامراتِ المجرمةَ تفجيرياً وانتحارياً وتكفيرياً، لكنَّ مواقفهم “التضامنية” فورَ وقوعِ الفاجعة، تطفو على سطح أَلسنتهم باردةً مصطَنَعَةً استلحاقيةً كاريكاتوريةً بـــإِزاء خسائرَ بشريةٍ غاليةٍ يُسبِّـبُـها كلُّ انفجار.
وإِذا اتحادُ السياسيين من أَجل مصلحة لبنان العامة لن يُوقِفَ المؤَامراتِ المجرمةَ، فهو حتماً يوقِفُ تَشَنُّجَ الشعب الذي بِسَبَبِهم يرى اقتصادَه ينهار، ووطنَه يَتَحَتَّت وَيَتَفَتَّت، فيما السياسيون ما زالوا على عنادهم وراءَ متاريسِهم ويُمعِنون تسابقاً على بلوغ مآربِهم، ومآربُهُم أَشدُّ فتكاً بكُلّ لبنان من أَيِّ تفجيرٍ إِجرامي في منطقةٍ معينةٍ من لبنان.