حرفٌ من كتاب- الحلقة 241
“قـهـوجـيّـات”
الأَحـد 4 تشرين الأَول 2015

Kahwajiyyaat          بين “أَركيلة الحلم العربي” (2003)، و”ما هَبَّ ودَبّ” (2005) و”عرب الصابون” (2007) و”مكدوس وماكدونالد” (2015)، يتنقّل غازي قهوجي في كتُبه الأَربعة من سخريةٍ موجعة إِلى سخريةٍ مضحكة إِلى سخريةٍ سوداء، ممتشِقاً قلمه الساخر يغمسُه في اعوجاجات المجتمع ويُطْلع منه أَسطُـراً من نارٍ تُلهِب الخطأَ وتُخجِل الاعوجاج.

          أَجزاء أَربعة من الـ”قهوجيّات” في نحو 1130 صفحة قطعاً وسطاً صدرَت لدى “منشورات رياض الريس”، تجاوَزَ فيها غازي قهوجي مجرَّد النقد القاسي إِلى نقْل مشاهداتٍ هي في ذاتها قاسيةٌ على مَن يُعاينها، فنقلَها إِلى النص بأُسلوبه الحيّ الحادّ في عذوبة البسمة الساخرة المرحة، وفي عُمْق الكلمة الـمُنهالة كرباجاً على السبَب والـمُسَـبِّـبين.

          مقطوعاتٌ قصيرةُ المساحة، وفيرةُ الصراحة، كثيرةُ الإِباحة لـجَلْد الواقع والتوعية عليه، ومن عناوينها تظهر الإِطلالة عبر التلاعب بالأَلفاظ حتى لتُمْسي ساخرةً في برق الومضة المعمِّقة، بين: “القافلة تسير والكليـﭙـات تنبح”، أَو “غزو فضائي لبناني”، أَو “خيرُ الكلام ما هَبَّ ودَبَّ”، أَو “مازة وإِلاّ…”، أَو “لا تُؤَركل عمَل اليوم إِلى الغد”، أَو “في ذاكرة كلّ غال عربي مفتاح أَميركي”، أَو “الْـبَسّ المباشِر والبثّ بقى”، أَو “الإِصبع الأَصفر المتوسط”، أَو “الماء والخضراء والبدَن الحسَن”، أَو “مزابل ضرورية”، أَو “بقلاوة يا سمَك”، أَو “كلْب صديق خيرٌ من صديق كلْب”، أَو “البلد يختنق بالصرامي والناس حافية”، أَو “ذَنَبُك على جنْبك”، أَو “التيس الحلوب”، أَو “قانا الأَوان”، أَو “الاستحمار عن بُعْد”، أَو “الإِسهال العربي الـممتنِع”، أَو “السَـفَـلَـنْـكَـح اللبناني”، أَو “يخلُق من الشَنب أَربعين”، أَو “حوار بين مبحوح وأَطرش”، أَو “كلْبي دليلي”، أَو “ظُهور الحمير مطايا ديمقراطية”، أَو “الانقسام سيّد الأَحكام”، أَو “العرَب بين الرُعب وعربات الخضرة”، أَو “الملابس وضِيق العيش”، وسواها وسواها من عناوينَ ساخرةٍ توحي بما في النص من قهوجياتٍ ساخرةٍ تَرسم كاريكاتور الواقع بكلمات حادّة تجعل البَسمة ردةَ فعلٍ عفويةً على ما يَكتب عنه أَو ينتقده بروحه المرحة الساخرة.

          ولعلّ أَعمق ما يُعبِّر عن هوية غازي قهوجي الأَدبية والفنية معاً، ما كتبه عنه الشاعر جوزف حرب: “من تسميات القلَم عند غازي قهوجي أَنه قلَم لصّ. يُغِير على أَيِّ سَيِّئَة أَو عَيب، ويَطُوف بها على الناس كما يَطوف جبريل على الـمَلَأ، والويل لهذه الأُمّة من دينونتِها إِذا كان جبريلَها غازي قهوجي. فيا غازي: شكراً لأَحزانكَ التي صنعَت لنا كلَّ هذا الضَحِك”.

          معه حق، جوزف حرب. فأَبلغُ الكلام ما حَفَرَ في جُرح الواقع علاجَ الواقع، وهو ما حَفَرَهُ عميقاً في ذاكرتنا، بقلَمِه الـمسْـنون، غازي قهوجي.