في التحديد العِـلْميّ أَنَّ الــ”أَلْـزْهِـيْـمِر”: “داءٌ يُصيبُ الدماغَ فيُفقِدُ الإِنسانَ ذاكرتَه وقُدْرتَه على التركيز والتعَلُّم، وقد يَتَطّور ليُحْـدِثَ تغييراتٍ في شخصية المريض فيُصبحُ هذا أَكثرَ عصبيةً، وقد تُصيبُه هَلْوَسَةٌ أَو حالةٌ من الجُنون الموَقَّت”.
هكذا شَخَّصَ المرضَ مكتشِفُه طبيبُ الأَعصاب الأَلـمانـيّ{Aloysius Alzheimer} آلُوْيْــسِــيُــوْس أَلزهِـيْمِــر (1864-1915) وأَعلنَه في مؤْتمرٍ طبّي سنة 1906، وما زال الطبّ حتى اليوم، بعد 110 سنوات على اكتشافه، يَـبحث فيه، ويَسعى إِلى اكتشاف علاجٍ له شافٍ قاطع مانع فلم يبلُغ ذلك بعدُ، ولا يَزال هذا الداءُ يَضربُ أَفراداً يُصابون به فـيَقْضون بسببِه ولا شفاءَ ولا علاج.
أَفهَم أَن يُصابَ به أَفرادٌ، كما يُصابون بأَمراض أُخرى. ولكنْ لا أَفهمُ أَن يُصابَ شعبٌ كامل بالـ”أَلْــزْهِيمِر”.
لا أَفهمُ أَن يَفقُدَ شعبٌ ذاكرتَه فيَنسى الـ”ما كان”، ويُوغِل في الـ “ما يكون”، ومستعدٌّ أَن يُكمل في الـ”ما سيكون”.
لا أَفهمُ كيف يَرضى شعبٌ أَن يَحْكُمَه اليوم سياسيونَ معظمُهم أَبناءُ آباءٍ حَكمُوا الجيلَ السابق وكان أَجدادُهم حكَموا الجيل الأَسبق، ولا يزال هذا الجيلُ اليوم يُــهَــوْبِــرُ في الشوارع لزعيمه وقائده وسيّده: “بالروح بالدمّ نفديك…”.
لا أَفهمُ كيف يُمكن أَن يتقدَّم وطنٌ حَكَمَهُ من زمانٍ أَجدادٌ سياسيون أَورَثوا زعامتَهم أَبناءَهم بالأَمس، وأَبناؤهم أَورثُوها أَبناءَهم اليوم، وهؤُلاءِ الأَبناء الحاكمونَ اليوم يُورِثون زعامتَهم أَبناءَهم أَو أَصهارَهم أَو أَنسباءَ لهم من قبيلتِهم أَو مزرعتِهم أَو عشيرتِهم، والشعبُ يقبَل، والشعبُ يَرضى، والشعبُ يَـنصاع، والشعبُ يُـهَـوْبِـر في الشوارع حاملاً صُوَرَهُم وشعاراتِ تعيـيشهم وتَـحَـدِّي أَخصامهم، ويَنقسمُ الشارعُ شارعَين، والساحةُ ساحتَين، وآذارُ آذارَين، ولبنانُ لبنانَين، وترتفعُ القبْضات في الهواء، وترتفع الأَيدي في الهواء، وترتفع أَصوات الزعماء في مكبِّرات الصوت، ويرتفع تصفيق الأَغنام في مكبِّرات الذُّلّ، والشعبُ لا يفكِّر ولا يتذكَّر، ويمضي قطيعاً قطيعاً صوبَ مسلَخٍ يَدُبُّه فيه زعماؤُه بالجملة ويَـبيعونه بالمفَرَّق رأْساً رأْساً وفْق مصالحهم الخاصة والشخصيّة والشخصانيّة التي تُبْقيهم على الكراسي أَو توصِلُهم إِلى المقاعد النيابيّة أَو الحكوميّة أَو “الـبْـعَـبْـداويَّة”!
مذهِلٌ هذا الواقع ومُرعِب!
وَلَوْ !! إِلى هذا الحدّ؟ شعبٌ كاملٌ يَفقُدُ ذاكرته، ويَـنسى مُسَــبِّــبي وصولِه إِلى هذا الانحطاط ويَـبْـقـى مسْـتـزلـماً لهم؟
أَإِلى هذا الحدّ نسِيَ ويلات الحرب حتى ينزلقَ بوطنه من جديدٍ نحو الفوضى الـمُدَمِّرة؟
أَإِلى هذا الحدّ يَـنسى أَزماتِه الاقتصادية فيُسهم اليوم في نشوء أَزمة جديدة؟
أَإِلى هذا الحدّ أَضاع المأْجورين في صفوفه وتاه عن الـمخْـلِصين؟
أَإِلى هذا الحدّ غَفَلَ أَنه ابنُ هذه الأَرض الـحَـنُـون وهذا الوطن الفريد؟
أَإِلى هذا الحدّ يُصيبُ الـ”أَلْـزْهيمِر” شعبَ لبنان فلا يُسقِطُ عن أَكتافه الكراسي ليوقِع عَنها مَن أَجْلَسَهُم هُو على هذه الكراسي؟
أَإِلى هذا الحدّ “يَـــــْزهَــيْــمِــرُ” شعبُ لبنان أَنّ الحُـكّامَ هُم خُدَّامُه وليس هو خادِمَ الحُـكَّام؟
وإِذا الطبّ لم يَـجِدْ بَعدُ دواءً شافياً لـ”أَلْـزْهيمِر” الأَفراد، فليس على الشعب أَن يَنتظر الطبّ، لأَنّ “أَلْـزْهيمِر” الشعب دواؤُه سهْل، تَـختصرُه ورقةُ أَسماء في صندوقة الاقتراع يومَ الانتخاب، حين يَرمي في سلَّة النُّفايات لوائحَ مَورُوثةً مُــوَرِّثةً وارثة، ويضعُ في الصندوقة أَسماءَ جديدةً نقيةً لرجالِ دولةٍ وإِدارةٍ واقتصادٍ وثقافةٍ، لا أَسماءَ رجالِ سياسةٍ أُمِّــيِّــي معرفةٍ ودولةٍ وإِدارةٍ واقتصادٍ وثقافة، ولا يضعُ أَسماءَ رجالٍ وَرِثوا الزعامة عن آبائِهم وأَجدادِهم، بل يَختارُ للحُكْم رجالاً طاهري النيّة والهويّة، لبنانــيِّــي الولاء والانتماء.
ولبنانُ الـمقيمُ والـمنتشِر في العالم غَـنِـيٌّ جِدّاً بكوكبةٍ مباركةٍ من هؤُلاء الـمُـقـتـدِريـن الرجال.