حرفٌ من كتاب- الحلقة 240
“القناديل الحمراء”
الأَحـد 27 أيلول 2015

Fouad Sleiman          حين تشتدُّ الـحُلْكة في ليل الوطن نرنو إِلى لَـمْعاتِ ضوءٍ، في صوتٍ أَو قلمٍ، تُعيد إِلينا بعضَ أَملٍ بأَنّ الليل سيَعقُبُه نورُ الفجر.

          بين هذه الأَقلام يأْتينا صوتُه طالعاً من “قناديله الحمراء” منبِّهاً، قبل أَكثرَ من نصف قرن، أَنّ الذين يتكلَّمون باسم الشعب، ويدَّعُون أَنهم يمثِّلون الشعب، ليسوا سوى مُهرِّجين في كرنَــﭭَـال.

          نُصغي إِليه يَهدُر فيهم: ليتني أَعرفُ أَين هو هذا الشعبُ الذي يَشُدُّه هؤُلاء من جهةٍ وأُولئِك من جهة، وكلامُهم فارغٌ، ضجيجٌ وعجيج. لا يا سادة. أَنتم هنا بإِرادة القطعان التي جعلَها الفقْر شعباً لكُم، وجعلَهُم المال شعباً لكُم، وجعلَتْهُم القوّة شعباً لكُم. أَنتم هنا بالقوّة التي قهَرَت الشعب وسيَّرتْه قطيعاً. الشعبُ ليس معكُم، فهو ممسحةٌ تتمسَّحون بها، وبقَرةٌ تستحلبون حليبَها. الشعب مسكينٌ، فلو كان شعباً حقاً لـما كنتُم هنا”.

          ونصغي إِليه يُحفِّز الشعب على كسْر طوق الخوف من حُكّامه: “من زمان وأَنا أُؤْمن بالعصا، العصا التي تُربِّـي القَمْل في الرؤُوس. إِلى العصا أَيها الناس فلا تضيع الهَـيـبـة. العصا لمَن أَكل أَموالكم حَراماً. العصا لمَن يدوس كراماتِكم. العصا لهذه الوجوه الغليظة تَحْكُمُكُم وتشمَخُ عليكُم كأَنها من ذهبٍ وكأَنكم من تراب. العصا لمن يتاجرون بالشَعب. أَيها الناس: هُزّوا العصا وانزِلوا بها غليظةً على الأَقْـفـيـة والرؤُوس والوجوه في هذا البلد”.

ونصغي إِليه ينهال على الشعب كي ينهضَ من غفْوَته ويثور: “عيبٌ علينا في لبنان أَن تبقى دسكرةٌ واحدةٌ بدون كهرباء وماء وطريق معبَّدة. عيبٌ علينا أَن ينطلقَ رصاصُنا إِلاّ في سبيل تراب لبنان. عيبٌ علينا أَن يكون في مجلس النواب مَن في شعب لبنان أَرقى منهم ثقافةً، وأَعلَقُ منهم بالقِيَم الروحية والوطنية”.

ونصغي إِليه يدعو الشعب إِلى الثورة على حُكّامهم المتسلِّطين المتحكِّمين بمصير الناس:“لا تنسَوا أَيها اللبنانيون أَنكم ترفَعون على الكراسي أَصناماً سوداء، جاحظةَ الأَعيُن بلهاء. فارفعوا رؤُوسكم في وجه هذه الأُمِّــيَّــة الطاغية. لبنان حيٌّ من أَحياء الدول الكبرى، ومع هذا لا يَشْبع كلّ الشبَع، ولا يَشْرب كلّ الشراب، ولا يَسعَد بعضَ السعادة، ولا يتعلَّم كلّ العلم. وكثيراً ما سأَلتُ نفسي: هؤَلاء الذين يَحكُموننا، ماذا عساهم يفعَلون لو انّ الله خلقَهم حُكّاماً في لندن أَو ﭘـاريس أَو نيويورك، وما كانت تُنتِج عقولُهم المريضة لو انها حكمَت بلاداً كبيرة”؟

بلى: حين تشتدُّ الـحُلْكة في ليل الوطن نرنو إِلى لَـمْعاتِ ضوءٍ، في صوتٍ أَو قلمٍ، تُعيد إِلينا بعضَ أَملٍ بأَنّ الليل سيَعقُبُه نورُ الفجر.

لـمعاتٌ كهذه التي استمعْنا إِليها اليوم، وكانت صدَرَت، قبل أَكثرَ من نصف قرن، في زاوية “صباح الخير” على الصفحة الأُولى من جريدة “النهار” بين 1949 و1951 بتوقيع “تموز”، ثم عادت فأَشرقَت في كتاب “القناديل الحمراء” حاملاً توقيعَه الصريح: فؤَاد سليمان.