أزرار- الحلقة 909
“مَـغْــنَـجَـانَـات” الصيف (1/2)
السبت 19 أيلول 2015

          مع انطواء هذه الفترة من أَيلول ينطوي صيفُ الـمهرجانات في لبنان، فلا يبقى من أَصدائه إِلاّ نَــزْرٌ ضئيل، لأَنّ في مستوى المهرجانات جَدَلاً بـين جمهورٍ لم يَـجـِـد جديداً ولا جديراً في معظم ما شاهد هذا الصيف، ومن هنا تَـفاوُتُ الأَصداء حوله، أَخيرُها تحقيقٌ موسَّع عنها في جريدة “لوريان لوجور” (15 أَيلول الجاري).

          وفي هذا التفاوُت موضوعيةٌ غيرُ منحازة لأَن “عجقة” الليالي باسم “مهرجانات” عمَّت المدُن والبلْدات والقرى والدساكر، وفي أَكثرها المطلَق لا تستاهل تسمية “مهرجانات”. فمُعظم ما سوَّقَتْ لَه وسائلُ الإِعلام والصحافة واليافطات والإِعلانات ودعاياتٌ عمَّت لبنان: ظاهرةٌ ظاهِـرُها عامر لكنّ مضمونَها ضامر، لا يعدو كونه أَيَّ حفلة عادية اعتادَ الجمهور حضور “نجومها” في فندق أَو مطعم أَو مَقهى أَو ساحة أَو تحت سنديانة الضيعة. الأَسماء هيَ هيَ هنا وهناك وهنالك وفي كلّ ليلة وفي كلّ مناسبة، والأَغاني هيَ هيَ بكل ما فيها من ساذج وضعيف وسخيف وهابط، والمغنُّون والمغنّيات يتنقّلون بين هذا المكان وذاك، فـإِذا بهم صيفاً “يرتفعون” إِلى إطار “المهرجان” في برنامج لهم غنائيّ لا يختلفُ عنه في أَيّ مقهى يغنّون فيه خلال أَيام السنة ولا يستحقّون غناءَه في “مهرجان”.

          ما المهرجان إِذاً؟ ما معايـيره؟ وما الذي يستحقّ تسمية “مهرجان”؟

          لن أَبعُدَ كثيراً في التنظير، بل أَعود نصفَ قرنٍ إِلى الأَمس لأُذَكِّر بمستوى “مهرجان بعلبك” أَيّامَ كان “يُنتج” أَعمالاً مهرجانية كبرى بين مسرحيات وأُوﭘـريتات وأَعمال أُوﭘـّـرا وفِرَق كلاسيكية عالمية وأَعلام عالـميّـين تمثيلاً وكوريغرافيا وموسيقى، في ليالٍ لبنانية (أَعمال الأَخوَين رحباني وروميو لحود وكركلاّ)، وليالٍ أَجنبية (إِيــلاّ فيتزجيرالد، أُمّ كلثوم، “مجنون إِلسا” لأَراغون، نوريـيڤ، بيجار، البولشوي، ﭬـون كارايان، روستروﭘــوﭬـيتش، …). أَيامئذٍ كان مهرجان بعلبك “يُنتِج” العرضَ العالَـمي الأَوّل لأَعمالٍ من الريـﭙـرتوار المحلي والعربي والعالمي تدخل في سيرة أَصحابها وتُرصِّع سجلّ لبنان الفني في العالم. وهذا مستوى فني لم نعُد نشاهده إِلاّ في مهرجانات قليلة جداً تـستحقُّ هذا الاسم. فحفلةٌ زائد حفلة تساويان حفلتَين، ومُـغَـنٍّ تَليه مغنّية يشكّلان “مَغْنَجَاناً” بين “مَغْنَجَانات” (حفلات مَغْنَى) لا تستاهل تسمية “مهرجانات”.

          إِنّ في شعبنا جمهوراً ثقيفاً من جميع الفئات العمْرية، يَنشُدُ الفرح ويتابع الموسيقى، قادراً على إِنجاح أُمسياتٍ تستحقُّ تسمية “مهرجانات”. وإِذا الجمهور، وفق الإِحصاءات، عمودٌ رئيسٌ ومعيارٌ تقييمي أَساسي في نجاح المهرجان، فهو ليس المعيارَ الوحيد للنجاح ولشعبية الـمغني، لأَنّ للْمستوى الـمهرجاني عواملَ فنيةً وتقنيةً أُخرى تَدخُل في بُـنْـيَـة المهرجان، أَترك معالجتَها إِلى الأُسبوع المقبل.