مُتوكِّـئاً على عصاه في مِشية اللُورْد الـمَهِيب، وعلى هَيـبـتِـه عالِـماً علامتُه تواضعُ الحكَماء، استقبلَنا في جامعة ميريلند إِلى المؤتمر الدّولي الأَول (9كانون الأَول1999) أَعدَّه باكورةَ أَعمال “الاتحاد العالَـمي للدراسات الجبرانية”. وكان أَنشأَ في الجامعة إِياها “برنامج الدراسات والأَبحاث الجبرانية” ثمرةَ “كرسيّ جبران” (أَول كرسي أَكاديمي لـجبران في العالم).
هذا رجلٌ مسكونٌ بجبران: نَذَر أَن يُبقي الشعلة الجبرانية عاليةً في كلّ صقع من الدنيا: يَندَه صوتُه في بشري فيتردَّد صداه في الصين.
“جبران شاعر ثقافة السلام”، جعلَ عنوانَ ذاك المؤتمر، حتى إِذا أَعَدَّ المؤتمر الثاني (أَيار2012) جعل عنوانَه “إِعادة قراءة جبران في زمن العولَـمة والصراعات”، ودعانا من جديدٍ نَقرأُ السلام في كتابات الذي جعل أُورفليس منطلقَه، والمصطفى يتّجه صوب الشرق في سفينته التي تُعيدُه تَقَمُّصياً إِلى الحضن الأَول.
بلى: نَذَر عُمرَه لإِذْكاء شعلة جبران، ولا يقلّ عنه اهتمامُه بأَمين الريحاني رسولِ الفكر المنفتحِ من “خالد” نيويورك (1911) إِلى خلود لبنان الحوار بين الثقافات والأَديان طرَّزه الريحاني الكبير برؤْياه الريادية زمنَ كان لبنانُ غارقاً في ديجور التعصُّب الديني الـموبوء.
وحين هيأْنا في بيروت (مع سلمى الحفّار الكزبري ونقولا زيادة وإِملي نصرالله) “مؤْتمر ميّ زيادة” (قصر الأُونسكو-تشرين الأَول1999 ضمن أَنشطة “بيروت عاصمة ثقافية للعالم العربي”) كان هو معَنا في التهيئَة والـمُشاركة والحماسة لإِعادة النبض إِلى ميّ.
ويوم أَسَّسَتْ ميّ الريحاني في واشنطن جمعية “من أَجل لبنان” (2007)كان هو شريكها في الحلْم والرؤْية والرؤْيا من أَجل العمل للبنان الواحد، وطناً ضئيلَ المساحة، طويلَ الـمَدى، مُشِعّاً بـمبدعيه على الحضارة أَمس واليوم وكلّ يوم.
في قلبه وضميره وقلقه كان لبنان. ومن إِيمانه الحياتي بالإِله الواحد جامعِ الأَديان – إِليه تَنْهَدُ الأَيدي الضارعةُ من كلّ طريقٍ مُغاير لتلتقي جميعُها عند القمة الوحيدة -، راحت كتاباتُه وأَفكارُه ومحاضراتُه تبشِّر بأَنّ خلاص العالم هو في توحيدِ عبادة الله عبر تعدُّد الأَديان روافدَ مخْلصةً صادقةً لنهرِ الكبيرِ الواحد خالقِ الكون ربِّ العالَـمين. ولم يكن يرى كــلبنان لتجلِّي هذه العبادة.
ذاك كان إِيـمان سُهَيل بُشْرُوئي، وتلك قناعتُه الوُثقى بفَرادة لبنان في هذا الشرق وفي العالم.
سيفتقِدُه منذ اليوم لبنان وجبران والريحاني.
لبنانياً كان في نقاء الإِخلاص، وعامِلاً دؤُوباً يزرعُ في حقل المعرفة بُذُورَ الخير والسلام.
ظَلّ يَعمل يومياً في هذا الحقل، ويفكِّر في غدِ الجنى يَطلَع من لبنان.
أَمرٌ واحدٌ لم ينتبِه أَن يُفَكِّر فيه: غَدُهُ الذي لن يأْتي.