تكون في جمعٍ أَو سهرةٍ أَو احتفال، وحولك قَـفيرُ هواتف محمولة تطنّ بالتقاط الصوَر عمداً أَو عشوائياً. وأَنت مستقٍـرٌّ في مقعدك غير راغب في نشْر وجودك هناك لأَنك لست الداعي ولا المتحدّث بل ضيف. يبلغُكَ في اليوم التالي أَنك كنت في هذا الجمع أَو تلك السهرة أَو ذلك الاحتفال، لأَن مَن كانوا هناك نشروا صُوَراً على الـ”فايسبوك”، وظهرتَ أَنت في الصوَر مـجرّد… كومـﭙـارس.
تختار بكل دقة أَيَّ مناسبة تحضَر أَو أَيَّ دعوة تلبّي، تكون فيها منسجماً مع جوِّك ومزاجك فلا تظهر صورُك في الجرايد والمجلات مع راقصات الكباريهات والفنانات “الشعبيات”. وقد تكون في مناسبة أَو دعوة تُرضي مزاجك وقناعتك فيأْتي مَن يسأَلك (أَو تَسأَلك) أَخْذ صورة معك للحفظ ليس إِلا. وإِذا نتيجة الــ”ليس إِلاَّ” تكون أَن تنبطح صورتك على الـ”فايسبوك” تصافِح هذه الآنسة، أَو تبتسم تهذيباً لهذه السيدة، أَو يتأَبَّطك أَحدهم (أَو تُخاصركَ إِحداهنَّ) في لحظة لا ضرر فيها لكنها مجانية بدون دَور لك، وهو ما لا تسعى أَبداً إِليه ولا ترغب في نشْر صورتك إِلا متحدثاً أَو خطيباً أَو في مناسبة ذاتِ علاقة مباشرةٍ بك.
لا أَقول هذا تَكبُّراً أَو تَرَفُّعاً أَو إِقلالاً من احترام مَن يسأَلون التقاطَ صورة للـ”فايسبوك”. هذا شأْنهم وهذه حريتهم. لكنّ معظم الـ”فايسبوكيين” هؤُلاء ينشرون الصوَر بذهنيةٍ اجتماعية وبدون وازع قِـيَـمِـي، فتظهر صورتُك، بدون أَي تبرير أَو سياق، على صفحةٍ واحدة إِلى جانب صورةٍ لحفلة عيد ميلاد، أَو لامرأَةٍ تنشر غسيلها كي تُري أَصحابها ما اشترت من ثياب داخلية، أَو صورة “بيكْنِك” على البلاج، أَو صورة كومة زبائل في شارع، أَو صورة القطّة التي تنام مع الابنة المدلَّلة، وأَنت لا علاقة لك مطلقاً بكل ما يصدر من صوَر على هذه الصفحة الـ”فايسبوكية” السخيفة بمواضيعها وأَخبارها.
الشاهد هنا: اختراق الخصوصية أَو اغتصاب الحميمية، ونشرُ الخاص على العام بدون تبرير. وهذه وقاحةُ مَن لا يستأْذنك نشر صورتك، فيخترق حياتك الاجتماعية التي تُهندسُها على ذوقك وقناعاتك فإِذا الـ”فايسبوك” ينشركَ على الناس كيفما اتّفق.
أَفهم أَنّ لـلـ”فايسبوك” منافعَ بين الأَصدقاء أَو حتى لسائر المتلقِّين، كنشْر الإِعلان عن نشاطٍ، أَو الدعوة إِلى مناسبة، أَو الإِعلام عن حدَث، وفي هذا النشر فائدة للناشر والمتلقّي معاً.
أَمّا أَن ينفلت الأَمر بوقاحةٍ إِلى نشر تعليقاتٍ شتَّامة أَو صوَر استفزازية أَو اغتصاب الخصوصيات، فموعدُه السبت المقبل في مقال آخَر.