أزرار- الحلقة 898
كي لا نكتفي بالتعداد والـــ”هَـــوْبَـــرَة”
السبت 27 حزيران 2015

كأَنما لكلّ حقبة موجةُ اختصاصاتٍ يُقْبِل عليها الطلاّب أَفواجاً فإِذا تَغيَّرت الحقبة تَغيَّر التوجُّه إِلى اختصاصات أُخرى. جاء وقتٌ كان فيه الإِقبال كثيفاً على اختصاصاتٍ “رائجة” كالحقوق والهندسة والطب، ثم “راجت” تَخصُّصات في حقول جديدة.
أُفَكِّر في هذا وسْط احتفالات التخرُّج الجامعي هذه الأَيام، ومعظمُها ينحو إِلى التكنولوجيا والإِلكترونيات والعلوم في إِشاحة واضحة عن الفروع الأَدبية والإِنسانيات.
قد تكون حاجة سوق العمل دافعاً أَوَّل للإِشاحة والاختيار. وهو ما تنبَّهَت إِليه مجلة “لونوﭬـيل أُوبسرﭬـاتور” فخصَّصَت له موضوعَي غلافَين: “الكوتا الحقيقية للشهادات” و”شهادات تُؤَدِّي إِلى العمل”، وصدَر في مجلة “الأَصداء” (Les échos) الفرنسية موضوعٌ طويل انطلق من وعد الرئيس الفرنسي هولاند بِإِيجاد “60 أَلف فرصة عمل في وزارة التربية من اليوم حتى 2017″.
هذا دليلٌ بين مئاتٍ على اهتمام الدولة بمصير المتخرِّجين وشهاداتهم. ومع أَفواج طلاّبنا المتخرّجين في مثل هذه الأَيام كلَّ عام يكبر السؤَال الـمُقْلِق” “… وبعد؟ إِلى أَين؟”، ويردّد بعض الأَهالي بحسرةٍ أَنهم يُربُّون أَولادهم حتى يتخرَّجوا، ثم يُهدونهم إِلى بلدان العالم أَدمغةً يُفيد منها الغَير ويَفتقدها لبنان.
هل صحيح أَنْ لا قدرةَ للبنان على استيعابهم؟ والمراكز الشاغرة، في جميع فئات وظائف الدولة، أَتبقى شاغرةً ويهاجر أَبناؤُنا المتخرِّجون؟ أَم انّ هؤلاء يُشيحون عنها لأَنهم أَعْلى أَهليَّةً منها؟ أَو لا يُقْبلون عليها لضآلة رُتَبِها ورواتبها؟
وهل في دوائر دولتنا دراسة بيانية مفصَّلة لحاجات سوق العمل في القطاعَين الخاص والعام، أَو في القطاع المهني الجاهز دوماً لاستيعاب عناصرَ جديدة؟
وهل من الضروري أَن تنحصر جميع الاختصاصات في بـيروت والضواحي وتبقى مناطق الداخل والأَطراف تعاني من النقص الوظيفي والبشَري؟ وأَين الإِنماء المتوازن من مواهب أَولادنا القادرين على النهوض به حين تتوافر لهم الفرص؟
أَن يهاجر أَولادنا ويعمَلوا في بلدان الآخرين، ظاهرةٌ تستنزف طاقاتِ لبنان الشابة، ونحن نكتفي بتعداد أَفواج المغادرين وبالأَسى على فقدان طاقاتهم، فيما الأَحْرى أَن تسعى الدولة بقطاعها العام، وتعاونها مع القطاع الخاص، إِلى وضع بياناتٍ لفرص العمل فيُقْبل متخرِّجونا على اختيار ما يناسب منها اختصاصاتهم.
والأَهم أَكثر: وضْعُ إِحصاءاتٍ واضحة لسوق العمل وربْطُ الاختصاصات بها فيَعرف أَولادُنا، قبل دخولهم الجامعة، أَيَّ اختصاصٍ ذي فُرَصِ عملٍ يختارون حتى إِذا بلَغُوا التخرُّج خرَجوا من بوّابة الجامعة ودخَلوا باب عملٍ يكون في انتظارهم لحاجته إِليهم.
وما سوى هكذا نُـحَــوّل أَولادَنا المتخرِّجين عن الوقوف صفوفاً مضنية على أَبواب القنصليات.