أَخيراً فاز لبنان بــــإِصدار رائعةٍ عالَـميةٍ جديدةٍ تضاف إِلى مآثر دوره المحوري في الحركة الثقافية العربية عموماً، والفنية المسرحية في شكل أَخَص.
فقبل أَيام أَصدرَت “المنظمة العربية للترجمة”، ومركزُها بيروت، موسوعة “مُعجَم المسرح” (Dictionnaire du Théâtre) لأُستاذ الدراسات المسرحية في جامعة ﭘـاريس الثامنة المؤَرِّخ المسرحي الكبير ﭘـاتريس ﭘـاﭬـي (Patrice Pavis). وكانت طبعتهُ الأُولى صدرَت لدى منشورات أَرمان كولان (Armand Colin) في ﭘـاريس سنة 2002، وبات اليوم مترجَماً إِلى لغات عالمية كثيرة. ومرّت ترجمتُه العربية بمراحل عدة حتى نجح في إِنجازِها لبنان، فصدرَ “المعجم” في 672 صفحة حجماً كبيراً، في بيروت طباعةً ونشراً، وتوزيعاً لدى “مركز دراسات الوحدة العربية” في بيروت كذلك.
“المنظمة العربية للترجمة” أَسندت الترجمة إِلى المسرحي اللبناني ميشال خطار، ومراجعةَ الترجمة وتدقيقَها إِلى المسرحي اللبناني الدكتور نبيل أَبو مراد.
في مقدّمة الطبعة العربية أَنّ “ترجمة المعاجم من أَصعب أَبواب الترجمة، لذا استغرقَت ترجمتهُ سنةً ونصفَ السنة، ومراجعتُها ستة أَشهر، حرصاً على دِقة الأَمانة في إِيجاد المصطلَح المناسب والمعنى الأَوفى والتعبير الأَدقّ”. وساعد الـمُترجِمَ والـمُراجِعَ أَنهما عمِلا في المسرح منذ الستينات الماضية تمثيلاً وإِخراجاً وكتابةً ونقداً وتأْليفاً، وزاولا تدريسَه نظرياً وتطبيقياً سنواتٍ طويلةً في الجامعة اللبنانية. وجاءت ترجمة “المعجم” عمليةً شاقة لغياب المفردات العربية الملائمة، ما اضطُــرَّهما أَحياناً إِلى الاشتقاق لتقريب الكلمة المعرَّبة من مدلولها الفرنسي مع الحفاظ على مرجعيّتها المسرحية. وقادهما البحث مراتٍ إِلى “لسان العرب” لابن منظور، أَو إِلى ترجمة الكلمة الفرنسية بعبارة، لاستحالة تعريـبها بكلمة واحدة تفيها معنى الأَصل.
وحَرِصَ المترجمُ على تأْكيد المعنى الـمُعرَّب ليلاقي المعنى الفرنسي، مع مراعاة المعنى الأَصلي الحقيقي ومواءَمته بين العربية والمعنى المسرحي التقني. وحين افتقدَ شرحَ الكلمة، حتى في القواميس الفرنسية، عمدَ إِلى مراجعةِ أَصل الكلمة في مصادرها اليونانية أَو اللاتينية، والإِبقاءِ في العربية أَحياناً على اللفظ الفرنسي ذاته مثل “كوميديا” و”تراجيديا” و”سوسيولوجيا” و”أَنتروﭘـولوجيا” وسواها، لِدُرْجَة استعمالها في العربية.
“مُعجَم المسرح” بترجمةٍ لبنانية ومراجعةٍ لبنانية ونشْرٍ لبناني، عملٌ جَلَل يضافُ إِلى ما لِـــلُــبنان من دورٍ رائدٍ في الثقافة العربية، وفي صَدارة الآثار الكُبرى التي اعتاد لبنانُ أَن ينقُلَها أَو يقدِّمَها إِلى قراء العربية في العالم.