أزرار- الحلقة 895
“يـسـتَــقــبــلُـه لبناني”
السبت 6 حزيران 2015

كثيفاً كان الحضور قبل أَيام في قصر ﭘـاريس البلدي، يتقدَّمه رئيس الجمهورية فرنسوا هولاند، في احتفال الأَكاديميا الفرنسية باستقبال عضو جديد للمقعد رقم 2 (كرسي أَلكسندر دوما) الذي شغر بوفاة هكتور بيانكيوتّـي وجاء يملأُه داني لا فيريــير. وقف جان دورمِسُّون كبيرُ الأَعضاء عهداً (منذ 1973) يفتتح قائلاً: “نستقبل اليوم كاتباً هايــيـتـيَّ الأَصل كَـنَديَّ الجنسية، في مقعد كاتب أَرجنتيني الأَصل فرنسيّ الجنسية من جذور إِيطالية، يستقبله بيننا كاتب لبناني. وهذه هي الميزة الجامعة في الأَكاديميا الفرنسية”.

          هكذا كبير الأَكاديميين شَمَلَ هايـيـتي وكندا والأَرجنتين وفرنسا وإِيطاليا معاً، وحين قدّم أَمين معلوف اختصره بكلمة واحدة: “اللبناني”، واكتفى.

          بهذا الجلال الفخم لِلُبنان وقف أَمين معلوف، باسم الأَربعين خالداً، يُجيب عن خطاب الوافد الجديد ويمجّد رابطَ اللغة: “المنفى، حين تُوحِّد اللغةُ بيننا، لا يَعود منفى. وحين تَغمُرنا سعادةُ الانتماء إِلى الوطن الأَوّل الذي هو الأَدب، يُصبح المنفى أَرضَ تَكامُلٍ وخَلاص”. وكأَنّ الأَمين استرجَع البُعاد عن الوطن الذي يُهجّر أَبناءَه ويُغلِق الأَبواب في وجوههم، فَتَذَكَّر ما في كتابَـيـه “الهويات القاتلة” و”المضلَّلون”، وقال للوافد الجديد: “في جميع العصور لنا مع التاريخ مواعيد، ولنا محطاتٌ مع مَن عبروا. فليـبـقَ في بالنا دائماً أَن نحجز لنا موعداً مع التاريخ، فلا نَعبر الحياة ويفوتنا هذا الموعد”.

          عِبرتان من هذا السرد: أَن تتوحّد الجنسيات والبلدان تحت سقف الثقافة والآداب والفنون، فيلتقي الأَعلام من كل ثقافة وحضارة وتراث ويشكّلون معاً إِرث الخالدين، وأَن يكونَ لبنان جامعاً هذا الإِرث فلا يحتاج تقديماً بأَكثر من كلمة واحدة: اسمه.

وإِذا على سيف الأَكاديميا نقشَ داني لا فيريـير من ديانة الـﭭـودو الأَفريقية القديمة رمزَها إِله مفترق الطرقات، فأَمين معلوف نقَشَ على سيفه أَرزةَ لبنان رمز وطنه مفترق الحضارات وذكَرَ في خطابه أَنه وطن أُوروپ التي اختطفها كبير الآلهة زوس عن شاطئ صُور، ووطنُ قدموس منشِئِ الأَبجدية الفينيقية القديمة أُمِّ الأَبجديات اليونانية واللاتينية واللاحقات.

هكذا المبدعون يُعَـرِّفون بأَوطانهم وبها يتعرَّفون، فالتراث العبقري، آداباً وفنوناً وثقافاتٍ وحضارات، هو الباقي للتاريخ حين ينقضي الجيلُ بعد الجيل، وهو الذي يُميِّز وطناً عن آخَر ويَجمَع وطناً بآخَر، فتكون نسبةُ الوطن إِلى ابنِه كلمةً واحدة كما فعل جان دورمسون في تسمية أَمين معلوف.

ويبقى الأَهم، كما ذَكَرَ أَمين، مَن يعرف كيف يَحجزُ له موعداً مع التاريخ قبل أَن تَغْرُب عن سنواته شمسُ المواعيد.