من تقاليد الفصح: التفاقُسُ بالبَيض وتبادُل البَيض الملوَّن والصيصان الملوَّنة، وجميعُها دلالةٌ على خروج الحياة المفتوحة من القبر المقفل. وإِذا كان البَيض لُعبةَ الكبار فالصيصان لُعَب الصغار يَـبـتهجون بها ملوَّنةً حــيَّــةً يَحملونها ويُلاعبونها ويُقبِّلونها.
وفي لفتة نابهة أَصدرَ محافظ بـيروت القاضي زياد شبيب قراراً يَمنع بَيع الصيصان، ملوَّنةً وغيرَ ملوَّنة، تنفيذاً مضمونَ قرارٍ قديمٍ عُمرُه 81 سنة، رقمُه 316 مكرَّر أَصدَرهُ محافظ بيروت في 16 أَيار 1934 لـــ”تنظيم مهنة بَيع الطيور الداجنة في مدينة بيروت”.
وبرّر القاضي شبيب إِحياءَه ذاكَ القرارَ القديم بأَنه حرصٌ على سلامة الأَطفال ورفقٌ بالحيوان الضعيف الذي يُدخل الفرح إِلى قلوب الصغار لكنه يلاقي معاناةً رهيبةً وعذاباً فاجعاً بِخُضُوعه لقسوة الإِنسان.
القرارُ صائبٌ على شِــقَّين.
فمن جهة الصيصان: ما إِن تَخرج طريةً ضعيفةً من الفقّاسة الآلية حتى تُكَدَّسَ بشكلٍ وحشيٍ عشوائي فوقَ بعضها بعضاً وتُسكَبَ فوقها جميعاً صبغةٌ تُلوِّن الصيصان في وقتٍ واحد من بعضِها بعضاً فتَصطبغ بمادةٍ حمضيةٍ حادّة تُمهِلها نحو أُسبوعين ثم تَموت الصيصان مَسمومةً بتلك المادة الصابغة.
ومن جهة الأَطفال: يَفرحون بريشِها الناعم الملوَّن وحجمِها الصغير فيروحون يُداعبونها بأَيديهم الرخصة ويُقرِّبونها من خدِّهم وفمِهم وربما يقبّلونها حَـناناً واستــئْـناساً. لكن تلك الصيصان تحمل غالباً باكتيريا “إِنفلونزا الطيور” فيلتقطُها الأَطفال وتُسمِّمُهم فوراً إِذ يلامسون الصيصان بأَصابعهم النظيفة فَــتَــتَّــسِـخ ثم يضعون أَصابعهم الـمُـتَّسِخة في فمِهم ويبتلعون مع الريق سمومَ الـ”إِنفلونزا”.
قلتُ إِنّ هذا القرار صائبٌ على شقَّين، غير أَنه يلفت إِلى شقَّين آخرَين.
من حيثُ إِحياءُ القرار القديم، وهو أَمرٌ جيد: غريبٌ أَن ينامَ قرارٌ 81 سنة ولا يَجدَ مَن يُطبِّقُه منذ ثمانية عقود حتى عاد المحافظ الحالي فأَحياه، ولا إِثباتَ إِن كان سيطبَّق في دائرة المحافظة أَم انه سيَبقى حبراً على ورق كسائر القرارات التي تَصدُر بلهجة حازمة ويظلُّ تطبيقُها في لهجة عائمة.
ومن حيثُ الدائرة، وهو أَمرٌ جيِّد كذلك: غريبٌ كيف لا يَصدُر هذا القرار إِلاّ عن محافظ بيروت وتَبقى سائر محافظات لبنان خارجَ هذا القرار كأَنّ سُمومَ الصيصان لا تؤْذي إِلاّ أَطفالَ بيروت أَو كأَن الرِّفْـق بالحيوان لا يكون إِلاّ في العاصمة.
أَيضاً وأَيضاً: ما زلنا في جمهوريةٍ/مزرعةٍ مَناطقُها يَختلف بعضُها موزايـيكياً عن بعضِها الآخَر، كأَنما قراراتُها اصطلاحيةٌ أَو كأَنما قانونُها استنسابي.
وفي حالتَي الاصطلاح والاستنساب، تَمضي الجمهوريةُ إِلى مصيرِها الذي تُسمِّمُه “إِنفلونزا” السياسة وأَسيادِ العشيرة، وهي أَكبرُ وأَكثرُ وأَخطر من الـ”إِنفلونزا” التي تُسمّم أَطفالَــنا الصغار وهم يُغنُّون فَرِحين: “هالصِّيصَان… شو حِلْوين”!