أزرار- الحلقة 886
المتحف في بناء المستقبل
السبت 28 آذار 2015

          يؤسِفُ في جريمة الاعتداء على رُوّاد متحف باردو أَنّ الضحايا من جنسيات أَجنبية – ما يُشير إِلى أَهميته عالمياً – وأَنّ الرأْي العام العربي والعالمي عَرفَ به من خلال فاجعةٍ دفع ثمنَ “داعشيَّـتها” عشرون زائراً أَجنبياً قصدوا متحف تونس الوطني يقرأُون على فسيفساءاته إِبداع التاريخ.

          في البلدان العربية صروحٌ ثقافية ومتاحف وآثار تجذب زوّاراً من العالم إِلى إِرث تَفخَر به هذه الدول وتحافظ عليه جسراً بين الثقافات، وسُطوعاً حضارياً يدافع عن صُوَر نمطية ملصَقة زُوراً بالعرب والإِسلام، ويبقى ينبوعاً تاريخياً ننهل منه ثقافـتنا ومخزوننا المعرفي.

          لا يكفي أَن “نقرأَ” عن المتحف بل يجب أَن “نزوره”. في ارتياد المتاحف انفتاحٌ على جميع العلوم واختصارُ صفحات عوض قراءتها في كتاب جامد. إنها ثقافة مباشرة للرواد، ومهاراتٌ حيةٌ للتلامذة يكتسبونها أَكثر من قراءة الكتاب. يتعلّمون الفنون رسماً ونحتاً، والحساب قياساتٍ وهندسات، واللغات قراءةً وفكَّ رموز، عدا ما يرونه أَمامهم من نواويس وتماثيل وأَوانٍ وأَدوات تُـريهم التاريخ السحيق في وقت دقيق.

          مشكورةٌ وزارةُ الثقافة عندنا بفتْحها مساءَ أَمس الجمعة أَبواب عشرة متاحف لزيارة مجانية في “اليوم العالمي للفرنكوفونيا”. ولكن… هل كان يجب انتظار هذا “اليوم الفرنكوفوني” كي يرتاد اللبنانيون المتاحف؟ لـمَ لا تُنَظِّم المدارس لتلامذتها زيارات تثقيفية إِلى متاحف لبنان؟ أَيجوز ادّعاؤُنا أَننا آباءُ التاريخ ولا نوصله إِلى مواطنينا وتلامذتنا؟ لم نتّفق بعدُ على كتاب موحد لتاريخنا؟ فلْنجعل تلامذتنا يقرأُونه خارج كتاب التاريخ.

          في بلادنا محميات طبيعية ومتاحف تاريخية وفنية. فلْتكُن لدينا سياحةُ المتاحف والمحميات كتُباً حية لأَبنائنا يزورونها، أُسوةً بتلامذةٍ في الدول الحضارية يقفون صفاً طويلاً داخل المتحف أَو يجلسون حلقات على أَرضه يُصغون إِلى شرح أَو يرسمون ما يشاهدون، أَو يقرأُون عباراتٍ شارحةً على اللافتات، فتنمو لديهم الذائقة الفنية ويكبَرون على نضج معرفي يـبني المجتمعات جيلاً بعد جيل.

          المتاحف، إِن حافظنا عليها، تَحمينا وتُدافع عنا وعن مستقبلنا وعن ذاكرتنا. وليس عرَضاً أَن المواطنين في أَحداث القاهرة شكَّلوا حزاماً بشرياً لحماية المتحف الوطني من التخريب. وتلك ﭘــاريس ومدنٌ أُوروﭘــية عريقة أَعلَنها السياسيون، في الحرب العالمية الثانية، مُدُناً مفتوحةً لحماية متاحفها التي هي منابعُ ذاكرتها.

          متاحف لبنان فلْتنفتح للّبنانيين والعرب والأَجانب، يرتادونها فيقرأُون فيها تعدُّدَ الحضارات المتعاقبة على أَرضنا، وثقافاتٍ غنيةً تربط بين التوجهات الفكرية والاجتماعية والسياسية، وتُشَكِّل جزءاً مُشرِّفاً نابضاً من ذاكرة العالم.