يَـثْـبُـتُ أَنّ معرض الكتاب، في أَيِّ موسم، فرصةٌ للمؤَلِّف والناشر كي يتقدَّما من القارئ في مناسبة تُـؤَاتيه كي يجمع أَكثر من كتاب في جولة واحدة. ومع أَن ندوات “التوقيع” تتَّخذ في الغالب طابعاً اجتماعياً يشكّله مَدعوُّو المؤَلِّف لياقةً أَو عُربونَ صداقة أَكثر من حاجتِهم إِلى الكتاب ولن يقصدوا المكتبة لاحقاً كي يقـتـنـوه، تبقى ظاهرةُ التوقيع تسريعاً في رواج الكتاب لا يستمرُّ حين يأْخذ مكانه التجاريّ على رفوق المكتبات.
قد يدعو الناشر إِلى التوقيع لكنه يتّكل غالباً على مدعوّي المؤَلف لتسويق الكتاب. وقد لا يكون له نشاط آخر بعدذاك غيرُ إِرسال الكتاب إِلى المكتبات وانتظار “المرتَـجَع” بعد حينٍ لاحتساب “حقوق المؤَلِّف”.
هذا الأَمر غيرُ كافٍ. المؤَلِّف ليس من شأْنه، مهما بلغَ شأْنه في شبكة معارفه واتصالاته، أَن يعمدَ إِلى تسويق كتابه. هذا شأْن الناشر الذي عليه أَن يجد الوسائل التسويقية فيقود المؤَلف إِلى أَنشطةٍ يُـؤَمِّـنها له بتنسيق ندواتٍ أَو لقاءاتٍ منبرية أَو إِعلامية أَو نشراتٍ إِلكترونية في وسائل الاتصالات والتواصل، والترويج للكتاب إِعلاناتٍ واتصالاتٍ حيثما يَلقى الكتاب متلقِّين (منتدَيات، جامعات، مؤَسسات ثقافية أَو تربوية أَو ذات صلة بموضوع الكتاب، …) حتى يكون النشاط ترويجاً معنوياً ومادياً معاً يعود نفعه إِلى المؤَلِّف والناشر معاً.
هكذا يكون الناشر ناشراً بـمدلول معنى “النشر”، وإِلاَّ فهو ليس إِلاّ طَـبَّـاعاً يطبع الكتاب ويترك مصيره للمؤَلِّف، أَو مُوزِّعاً يوزِّعه على المكتبات ويقعُد ينتظر مرور القراء على باب المكتبة، وفي الحالتَين لا يكون نَفَع المؤلِّف ولا كتابَه. صحيح أَنّ مضمون الكتاب أَساسيٌّ لرواجه، وكذلك اسم المؤَلف إِن كان معروفاً، لكنّ الأَساسَ الأَوّل إِيصالُ هذا المضمون إِلى المتلقّي وإِيصالُ المؤَلّف إِلى قرائه، ومن هنا يبدأُ الرواج ويتنامى فتكون للكتاب طبعات تالية.
سنة 1923، حين دفَع جبران مخطوطة “النبي” إِلى الناشر الشاب أَلفرد كْنُوف، كان هذا روَّجَ لجبران في حلقاته الخاصة والعامة بكتابَين قبلَه: “المجنون” و”السابق”، حتى إِذا صدر “النبي” اندفَع (هو وليس جبران) في حملةٍ ترويجيةٍ واسعةٍ أَمَّـنَـت وُصول الكتاب إِلى شبكة عريضة من القرّاء والأَصداء فلم تَـنْـتَـهِ السنة إِلاّ والكتاب صادرٌ في طبعة ثانية، ومع كْنُوف عَقْدان بترجمته إِلى الفرنسية والإِسبانية.
صحيح أَن “النبي” يستاهل هذا الرواج وبلوغَ معظم لغات العالم، لكنّ ترويج الناشر ساهم في إِيصاله إِلى تلك القمم.
وهذا ما لا يتنبَّه له ناشرون كثيرون في لبنان وبعض الدول العربية.