نقطة على الحرف- الحلقة 1195
الأَهَمُّ من قانون السَـيـر: سَـيـرُ القانون
الأَربعاء 18 آذار 2015

 

         لن أَتوقَّف عند قيمة الغرامات المفروضة في قانون السير الجديد، ولو اني أَراها مُنْصِفةً رغم ارتفاع مبالغها، إِزاءَ مخالفاتٍ وقِحةٍ أَضرارُها تتعدّى كثيراً قيمة الغرامة مهما ارتفعت.

          غير أَنني، مع البدء بتطبيق هذا القانون الجديد في الأَول من نيسان – إِذا بدأَ تطبيقُه فعلاً – أَتوقَّف عند المبدإِ الأَساس وهو آلية التطبيق. أَعرف أَنّ المديريةَ العامة لا بدّ دارسةٌ هذا الأَمر إِنما نظرياً إِلى أَن يشعر المواطن عملياً بأَنه بات يَهاب شرطي السير، بعدما اعتاد حتى اليوم أَلاّ يهابَه إِذ يراه هنا يرقِّم أَو يراسل في جهازه الخَلَوي، وهناك واقفاً يلتهم سندويشاً أَمام مطعم، وهنالك متحدِّثاً مع سائقٍ ويدخِّن كأَنه في مقهى، وفي الثلاث الحالات يؤَشّر روبوتياً للسير أَن يسير وهو أَصلاً بدونه يسير.

          المطلوب إِذاً تأْهيلُ شرطيّ السير كي يستاهل أَن يتعاطى مع المواطنين بحزْم وتهذيب، وأَن يُعطى من الصلاحيات ما يخوّله توقيفَ سائق أَو تسطير محضر أَو تثبيت مخالفة، فيوقفُ على الأَقل دراجةً ناريةً ناقلةً صندوقة “ديليـﭭـري” أَو أَركيلة وتعبر التقاطع على الضوء الأَحمر أَمام السيارات الآتية من الجهة المقابلة، والشرطيُّ واقفٌ يتثاءَبُ أَو ينعَسُ أَو يَنظُر ولا يَرى.

          وعدا الشرطي، كي لا نضعَ كلّ اللوم عليه وعلى قلَّة نفْعه، المطلوبُ تأْهيلُ المواطنين على أَخلاق المواطنية وتهيئَتُهم للقانون الجديد عبر برامج أَو كليـﭙـات تلـﭭـزيونية وإِذاعية للتوعية والتثقيف والإِرشاد، في حملة مكثَّفة لا لإِعلام المواطنين بل لتنبيهِهم، ولتشترِ المديرية العامة للأَمن الداخلي وقتاً تلـﭭـزيونياً وإِذاعياً، إِن لم يكن يحقُّ لها أَن تستعمل الشاشة أَو الإِذاعة مجاناً، ولتعلِنْ فيه القانون تباعاً ببُنوده واتِّباعها وأَنواع المخالفات وما ينتظر المواطن عند ارتكابه كلَّ مخالفةٍ ودفعِه غرامتَها الموجِعة.

          أَما المواطنون الذين اعترضوا أَو يتذمَّرون من ارتفاع قيمة الغرامة، فهم إِمّا لا يعرفون حزْم الدول الأُخرى في تطبيق القانون، أَو انهم يريدون أَن يبقى البلد غابةً فالتةً للشذّاذ والرُّعناء من سائقين وقحين اعتادوا أَنّ القانون نصٌّ على ورق لا علاقة لهم به.

          بلى، كلاهما في حاجة إِلى تأْهيل: شرطيُّ السير والمواطن، وللحالَين نتيجةٌ واحدة: فرْضُ هَيبة الدولة واحترامِها واحتسابِ وجودِها وحضورِها وحزمِها لا في الاقتصاص من المواطنين بــرفع قيمة الغرامة بل بــرفع الخطر عنهم سائِقين كانوا أَو مارَّةً أَبرياء.

          وفي انتظار أَلاَّ نعود نرى حولنا على الطرقات سائقاً بدون حزام الأَمان، أَو سيَّدة تتحدَّث بالهاتف الخَلَوي وتمارس الماكياج وهي تقود، أَو دراجةً تَمُرُّ على الضوء الأَحمر، أَو سيارة مخلَّعةً مفلتةً من المعاينة الميكانيكية، سنظلُّ نقول إِن القانون الجديد مُهِمٌّ جداً ومُـحْكَم جداً، لكنَّ الأَساسَ تطبيقُه. فالأَهمُّ من قانون السير أَن نَشهَدَ على زماننا سـيرَ القانون.