حرفٌ من كتاب- الحلقة 208
كتاب “لبنان على أَقلام المستشرقين”- الدكتور أَنطوان القسيس
الأَحـد 15 شباط 2015

Orientalists

          “جذَبَ الشرقُ الغربيين بخصائصه الجغرافية والبشرية المتناقضة والمتآلفة وممراته الطبيعية جسْـرَ عبورٍ إِلى شعوب العالم القديم، تتفاعل فيه لإِغناء الحضارة الإِنسانية وتطَوُّرِها عبر العصور، ولِـما يكتنز الشرق من معارف ثقافية وعمرانية وثروات اقتصادية وعادات وتقاليد وفكر دينيّ مُـميّز ذي طقوس وشعائر”.

          هكذا قدَّم الدكتور أَنطوان القسيس لـكتاب “لبنان على أَقلام المستشرقين” وهو مجموعُ محاضراتٍ أَشرف عليها وأَدار ندواتِها الشهريةَ طيلة موسمٍ جامعي كامل في الجامعة الأَميركية للعلوم والتكنولوجيا التي احتضَنَت المحاضرات وصدَرَ الكتابُ أَخيراً في سلسلة منشوراتها الجامعية.

          ومع أَن هدفَ الاستشراق الاطّلاعُ على حقائق تاريخية من حضارات الشرق، أَخذ منذ القرن الثامن عشر ينحرف إِلى مادة فكرية تتعمَّد تَبيان تَفَوُّق الحضارات الأُوروبية على مثيلاتها في الشرق وسواه.

          بهذه النِّظرة الموضوعية قرأَ نتاجَ الاستشراق أَكاديميون باحثون دكاترة جامعيون: مروان أَبي فاضل، ﭘــيار مكرزل، الياس القطّار، أَحمد حطَيط، جويل الترك، أَندريه نصار، جوليـيت الراسي، جورج طراد، جورج شكيب سعادة، إِلهام كلاّب البساط، وأَنطوان القسيس، تحدّثوا تباعاً عن نِظرة الأَب مرتين اليسوعي الفرنسي إِلى استقلال لبنان منذ تاريخ لبنان القديم، عن صورة لبنان في المدن الساحلية من صور إِلى طرابلس في كتابات المستشرق الإِيطالي فرنشيسكو سوريانو من القرن الخامس عشر، ولبنان في كتابات دومينيك شوفالييه الذي تردَّد إِلى لبنان بين1975 و1990 وهو صاحبُ كتابٍ عن مجتمع جبل لبنان، ثم لبنان في أَبحاث المستشرق الفرنسي كلود كاهْن الذي أَرّخ للبنان زمنَ حروب الفرنجة في الشرق، ثم لبنان في نصوص القنصل الفرنسي هنري غيز خصوصاً في كتابه “بيروت ولبنان” الذي ترجمه مارون عبود، بعده يُطالعنا بَـحثُ المستشرق الإِيطالي جيوﭬـاني ماريتي حول فخر الدين الثاني معتبراً إِياه بطلاً حاول تحريرَ لبنان من الهيمنة العثمانية فدفع حياته ضريبةَ محاولته، ثم نَصِل إِلى صورة لبنان في أَبحاث المستشرقَـين الفرنسيَّـين جانين ودومينيك سورديل اللذَين أَبرزا معالم لبنان الحضارية في كتابات بعض المؤَرّخين، ومع موريس بارِسّ تعذُب الرحلة في وصفٍ ممتع تَـخـلَّل نصوصَه عن بيروت وجبل لبنان، وبعده رحلة ﭬــولناي كما رأَى فيها لبنان، وتليها كتاباتُ لامرتين الذي شُغف بلبنان وتَـميَّز عن أَسلافه المستشرقين والرحَّالة بأَنْ كان أَغزرَ عاطفةً وأَلطفَ سجيةً وأَكثرَ إِنصاتاً وانفتاحاً وسَماحاً حَيالَ ما شاهدَ واختبرَ وعايشَ وأَحَبّ. وجاء ختامُ الكتاب يَرسُم لبنان من كتابات إِرنست رينان في كتابه الشهير “بعثة إِلى فينيقيا” أَمضى لأَجله سنتَين متنقِّلاً بين عمشيت وغزير ترافقُه شقيقتُه هنريـيت التي تُوُفِّيَت قُـبَـيل نهاية الرحلة ودُفِنت في عمشيت.

كتاب “لبنان على أَقلام المستشرقين” مرجعٌ أَكاديميٌّ موثَّقٌ بمراجعِه ومصادرِ دراساته وأَبحاثِ واضعيها، ويشكِّل ركناً متيناً في مكتبتنا اللبنانية، ناقلاً في نصوصِه خلاصةَ الخلاصة من كتابات مستشرقين زاروا لبنان أَو أَقاموا فيه بضعةً من زمنٍ خلصوا بعدها إِلى ما في هذا البلد الضئيل المساحة من وفير الغنى في سِفْر الحضارة والتاريخ قديمِه، وسيطِه، والحديث.