كأَنما طفحَ الكيل بهم. كأَنما كسَروا كلّ بوصلةٍ للصبر والأَمل، فشعروا أَن الفساد بلغ من التسونامي ما يُغْرق كلَّ ما في الوطن وكلَّ مَن في الوطن، فلم يَعُد مرفقٌ في الوطن إِلا نخره سوسُ الفساد: أَطعمة فاسدة، موادّ غذائية منتهية الصلاحية، لحوم حيوانات نافقة تباع للمواطنين، موظفون ومياومون ومتعاقدون في عشرات المؤَسسات، خاصِّها والعام، لا يَعملون ولا يُداومون ولا يَحضرون إِلا لقبض راتبهم آخر الشهر، آلاف أَزلام ومحاسيب يمتصُّون خزينة الدولة يغطّيهم أَسيادهم في العشيرة أَو الحزب أَو الطائفة وليس من يُحاسبهم، فضائح مالية وعقارية، مسؤُولون في الحكْم وخارج الحكْم معظُمهم مُغطّى بلَقَبه أَو منصبه أَو مسؤُوليته ونواياه عكسُ ما يُظهِر، بعضُهم طاله السجنُ وقوسُ المحكمة، والبعضُ الآخر ما زال يتقنَّع بمنصبه ولقبه.
طفح الكيل بكوكبة من شبابنا ففتحوا في شارع الجميزة “دكانة البلد” يعرضون فيها نماذج من مظاهر الفساد: دفاتر سواقة بدون امتحان، مع كل شهادتين بريـﭭـيه شهادة بكالوريا ببلاش، أَفضل الطرق للتلاعُب بعدّادات الكهربا، شهادات ترفيع مدرسية للراسبين، جنسيات غير لبنانية، شهادات جامعية للراسبين في امتحانات الجامعة، تذاكر مزوّرة، شهادات سجلّ عدلي مزوّرة، إِخراجات قيد مزورة، سمسرات شراء أَصوات ناخبين، رشوة مفاتيح انتخابية، و”خدمات” أُخرى من نماذج الفساد وما يَبتكره خيال الفاسدين المفْسدين في معظم دوائِر البلد ومؤَسساته الخاصة والعامة.
كوكبةُ شباب لبنانيين انفجَر بهم الغضبُ على الفساد فأَسسوا سنة 2013 جمعية “سَكِّر الدِّكَّانِة” أَخذَت تتّسع وينضمُّ إِليها شبابٌ وصبايا متطوِّعين للعمل المجّاني ما سوى لهدفٍ واحد: فضْحُ الفساد في البلاد.
وأَنشأُوا موقعاً إِلكترونياً لتسجيل شكاوى الفساد، وتعامَلوا مع محامين لمتابعة تلك الشكاوى لدى المراجع، وفضْح المرتشين والفاسدين بالأَسماء والوقائع والتواريخ.
لاقَت جمعيّة “سكّر الدكانة” رواجاً لافتاً، وشاركت في معارض كبرى آخرها في الجامعة اللبنانية الأَميركية (LAU)، وكلُّ ذلك لتوعية الجيل الجديد على المفتَرَض أَنهم مسؤُولون عنه لكنهم يُؤْذون الجيل الجديد ويؤْذون الوطن ويتسبَّبون بما وصَل إِليه البلد من غَرَق في وُحُول الفساد والرشوة واللاضمير، وهدف التوعية أَنّ الفساد لا يُقتلَع من جُذُوره إِلاّ بإِرادة المواطنين وتنبيه الناس على ما يَجري كي يَرفُضوا ما يجري ومَن يُسَــبِّــبُـه. ونشَرت الجمعية على وسائل التواصل الاجتماعي “ﭬـيديو كْلِـپ” ساخراً يُظهر نَماذج من الفساد لأشخاص يَرشُون ويرتَشُون.
مبروكٌ لشبابنا نجاحُ جمعيّتهم “سَكِّر الدِّكَّانِة”، عسَى تتسكَّر سوﭘــرماركات وأَسواق الفساد في لبنان، وتَلْقَى هذه الدعوة صَداها فَتَعي جميع فئات المجتمع اللبناني أَنّ الفساد في الوطن لا يُوصِل إِلاَّ إِلى… خراب الوطن.