أزرار- الحلقة 879
“المُهم تَمَاسُكُ لبنان من الداخل”
السبت 7 شباط 2014

 

          صباح الأَحد 17/10/1948 صدَرَت جريدةُ “الأُوريان” وعلى صفحتها الأُولى افتتاحيةُ رئيس تحريرها جورج نقاش بعنوان “شارل مالك داعيةُ المجد”، روى فيها حضورَه، بين مندوبي 58 دولة من العالم، جلسةَ الجمعية العمومية الثالثة لمنظمة الأُمم المتحدة في القاعة رقم 3 من قصر شايو الذي عاد فشهد في10/12/1948 جلسة موافقة المنظمة على “الإِعلان العالمي لحقوق الإِنسان” ولشارل مالك دور رئيس في إِعداده وكتابته الأَخيرة.

في تلك الافتتاحية كتب نقاش: “بعد الجلسة دعاني شارل إِلى مطعم قريب. وفي الطريق سأَلني عن الأَحوال في لبنان، وقبل أَن أُجيبه أَكمَل: “المهم أَن يبقى لبنان متماسكاً من الداخل. نحن هنا نقوم بما علينا إِنما على مَن يَسُوسُون الوطن أَن يهتّمُوا بإِدارته والتمسُّك به كما يجب وكما يَستحقّ. لا أَخاف الفوضى في الإِدارة ولا ركاكةَ الدولة بل افتقارَ كثيرين إِلى الإِيمان بالفكْر اللبناني والروح اللبنانية، ويُقلقُني التراجُع الأَخلاقي لدى بعض النُّخبة وفقدانُ الثقة برسالة لبنان وقدَره”.

ما أَبلغ هذا الكلام الصادر قبل 66 سنة كأَنه يَـصدر اليوم. أَإِلى هذا الحدّ ما زال لبنان ضعيف الدولة وتنخر الفوضى إِدارته ويفتقر كثيرون فيه إِلى الإِيمان به؟ الواقع أَنْ: بَلى. وكان لافتاً تشديد شارل مالك على كلمة “النخبة”، هو الذي كان بين قاماتِ لبنانيين كبار عملوا على تركيز رسالة لبنان (وكان طالعاً من ربع قرنِ انتدابٍ فرنسي وأَربعةِ قُرونِ هيمنةٍ عثمانية) فراحوا يتمسكون بلبنان المستقلّ لا سياسياً وجغرافياً وحسْب بل كياناً حضارياً مُشعّاً على شعبه، منفتحاً على محيطه، فعملوا متّحدين على زرع الفكرة اللبنانية، ونشطوا كُلٌّ في ميدانه: شارل مالك، جواد بولس، عمر فاخوري، الياس أَبو شبكة، ميشال زكُّور، خليل تقي الدين، كرم ملحم كرم، عبدالله العلايلي، فؤاد حبيش، فؤاد افرام البستاني، سعيد عقل، ميشال أَسمر (وبفضله مُـحاضرو منبر “الندوة اللبنانية”)، شارل قرم، أَحمد مكي، سليم حيدر، وسواهم مِـمَّن بين الثلاثينات والأَربعينات رأَوا إِلى لبنان أَوسع من جغرافياه وأَقوى من ديموغرافياه، منفتحاً لا متقوقعاً، فعملوا على ترسيخ الفكرة اللبنانية البعيدة عن الشوﭬـينية والطائفية والمناطقية، والآيلة إِلى تأْكيد جُذور لبنان في محيطه.

وبالعودة إِلى عبارة شارل مالك “المهم أَن يبقى لبنان متماسِكاً من الداخل” نرى إِلى لبنان اليوم أَن يتّحد شعبُه للداخل وفي الداخل ومن أَجل الداخل. فالفكرة اللبنانية تُنقذ لبنان إِذا انطلَقَت من أَرضه وحَرَثَـتْها، لأَن الداخل هو المصدر والمرجع، وهو المنقذُ الوطنَ من كلّ ضَلال.