أَياً يكن المضمون في كلام عضو الوفد اللبناني إِلى مؤتمر اتّحاد المحامين العرب في القاهرة، مرفوضٌ ردُّ الفعل عليه بالهجوم الجماعيّ الـمَسعور واللَكْم والضرب بالأَيدي، كأَيِّ مسعورين في ساحة أَو شارع.
ويكون أَنّ الحلقة ساعتـئذٍ كانت حول الإِرهاب ومفاعيلِه ومظاهرِه وفِعلِه ورُدود فعلِه، فجاء الهجومُ الجماعي على عضوٍ فَرْدٍ ينقُض كلَّ كلامٍ على معالـجة الإِرهاب بغير الإِرهاب.
هذا دليلٌ واضحٌ على أَنّ مستوى الجدَل الفكري ما زال غيرَ مُعَمَّمٍ في مجتمعاتنا.
وهذا دليلٌ آخر على أَنّ التوتاليتاريا ما زالت تَتَحَكَّم بالكثيرين، حُكَّاماً ومحكومين، ولو انها تتزيّا بـما يُسَمُّونها الديمقراطية وهي ليست سوى أُوتوقراطية مقَنَّعة سرعانَ ما تَسفِر عن وجهِها الحقيقي في لحظةٍ غريزيّة.
بعضُ مشكلة هذا العالم العربي أَنه لم يَخرُج بعدُ من التوتاليتاريا.
فكيف يبلغ تماميّةَ حقوق الإِنسان وهو في حِزام التوتاليتاريا؟ وكيف يَصِلُ الفردُ إِلى قبُول الآخر وهو في بوتقة التوتاليتاريا؟
وكيف يمكن أَن يتطوّر من الأُوتوقراطيا إِلى الديمقراطيا وهو في زنزانة التوتاليتاريا؟
والحلقة حلقةُ محامين. والمحامي أَنه يحامي عن القانون قبل أَن يحامي عن الفرد الذي يخالف القانون. فكيف يضعُ ميزانَ العدل أَمامه يستلهِمُهُ مطارحاتِه ومطالعاتِه ومرافعاتِه مَن تَهُبُّ فيه غريزةُ الرَّدِّ بالضَرب والسباب واللَكْم واللَطْم في أَول حالةٍ ليست على هواه؟
يَعصُمُ محامي لبنان، بيروتِــيَّهم وشِـماليَّهُم، أَنهم أَبناءُ بيروتَ أُمِّ الشرائع، مُرضِعةِ القوانين وسيِّدةِ العدالة.
وفي بال محامي لبنان دوماً أَنهم سليلو قاماتٍ كبرى دانَت لهم قُصورُ العدل في لبنان والخارج، وأَنهم في سلسلةٍ من كبار النُّقباء الذين كانوا مَراجعَ للحرية والحقُوق والواجبات والعدالة في لبنان وفي الخارج. ومراراً كانت نقابةُ المحامين في لبنان قِبلة النقابات الشقيقة في العالم العربي.
وليست مصادفةً أَن يحمل المحامي وحدَه لقَب “الأُستاذ” لـما في كينونته من سُـمُــوٍّ في التدارُك، ورفِعةٍ في التعامل، وشهامةٍ في استلهام الضمير، وحَـزمٍ في الانتصار للحق، وعنادٍ في الدفاع عن المظلوم. فكيف يمكن من يُفترَضُ أَنه يمتلك هذه الصفات العليا في بيئته المحيطة ومجتمعِه الأَوسع أَن يتصرَّف بما يناقِض هذه الصفات؟
إِنّ لنا في محامينا اللبنانيين رِفْعَةَ رأْسِنا ونُورَ اعتزازِنا، لذا استَهْجَن الجميع، في لبنان والخارج، أَن يتمَّ التعامل معهم في القاهرة كما لا يليق بالمحامي أَن يعامِل زميلاً له في ردَّة فعل غريزية.
وإِذا كانت براعةُ المحامي تتجلَّى في المحاجَجة والمناقَشة والمقارعَة والمطالعَة والمرافعَة، أَيْ في الردّ على الكلامِ بالكلامِ وبمستوى الاحترامِ المتبادَل، لا يَعُود من المحاماة في شَيْءٍ أَن يكونَ الردُّ على الكلام، أَياً يكُن مضمونُ الكلام، بِـما ليس على مستوى اللياقة المهنية والأَخلاقية المهنية والمبادَلة المهنية.
وكلُّ من ليس على هذا المستوى، لا يستاهل أَن يَدخُل عتبة قصر العدل.
______________________________