رفَعَ دعوى قضائية على هيئة الإِذاعة والتلــﭭــزيون اليابانية مُطالباً بتغريمها مليون يِــن ياباني تعويضاً عن أَضرار نفسية يُسبِّبها الإِفراط في استعمال كلمات دخيلة على اللغة اليابانية. إِنه مواطن ياباني في الحادية والسبعين ارتاع من الكلمات الأَجنبية التي يتلفَّظ بها المذيعون أَو ضيوفُ البرامج.
ليس عابراً هذا الخبر: هذا مواطن عادي خاف على لغته الأُم من هجينِ ما يتغلغل فيها ويُنذر بإِفسادها التدريجي، خصوصاً في صفوف النشْء الجديد.
ولعلّ هذه من ظواهر العَولَـمة التي تجتاح كوكبنا وتتسَلّل إِلى جميع لغاته، وبينها لغتُنا. والحريصون على اللغة، لا ككلماتٍ بل كَهُوية، أَتَـخيّلهم ينتفضون كهذا الياباني. ومتى أَدركْنا أَن اللغةَ ناقلةُ الحضارة من جيل إِلى جيل، وعَينا خُطورةَ ما نعاين في مجتمعنا. فعدا ما بات جيلُنا الجديد يستعملُه قاموساً لوسائل التواصل الاجتماعي، من لغة محكيّةٍ بأَحرف لاتينية وأَرقام، تُبعِدهم شَفهياً عن أَحرف لغتهم الأُم وكتابياً عن إِتقانها لغةَ تعبيرهم، نعاين على شاشات التلــﭭــزيون كلماتٍ أَجنبيةً من مذيعين ومذيعات وضيوف يستخدمونها في أَحاديثهم المحكيّة أَو الفصحى، وينعكس ذلك على كلمات الناس في حلقاتهم. فبين عبارة “break ونعود إِليكم”، وبين “اشتريتُ لونيتّاتٍ جديدة” (أَي نظّارات)، و”وضعتُ المفتاح في ساكي” (أَي جزداني)، و”هؤُلاء كوزيناتي” (أَي نسيباتي)، تبدأُ اللغة المحكيّة والمكتوبة بدخول نفَقٍ مُظلمٍ تبدو نهايتُه تاعسة تتجنّى على اللغة وتؤْذي اللسان حامل الهوية.
أَعي تماماً ضرورة أَن تَدخل اللغةُ عصرَها ولا تتحنَّط في القواميس ومجامع اللغة. ضروريٌّ أَن تتبنّى كلمات جديدة لا رديف لها في اللغة الأُم فتزداد هذه غنىً وحداثة. لكنّ من التجنّي استعارة كلمات عادية من لغة أَجنبية حين تلك الكلمات موجودةٌ في اللغة الأُم.
القصد من هذا الحرص مستقبلُ اللغة: أَيّةَ كلمة نتبنى؟ أَيَّها لا نقتبس؟ وما مستقبل اللغة عندئذٍ؟ وكيف نضمن بقاءَها حية على اللسان؟
صحيحٌ أَنّ كلّ لغة تشرّع أَبوابها على فضاءات تُحقِّق تفاعلاً حضارياً وتكون لغةَ حوارٍ ومصالحةٍ مع اللغات الأُخرى. واللغة الأُم هي هويةُ الشخصية الوطنية ومادةُ تراثها الثقافي ويجب أَن تنفتح على سائر اللغات. عندئذٍ لا يعود هجيناً استعمالُنا “تلــﭭــزيون” أَو “إِنترنت” أَو أَيَّ جديدٍ مثلهما، لكنّ المستهجَنَ استعمالُ كلمةٍ من لغة أُخرى أَو ربما كلمتين في عبارة واحدة نَنْطقُها بِلُغَتِنا الأُم.
مستقبلُ اللغة في احترامِها، واحترامُها يكون في تلقيحها بكلماتٍ ليسَت فيها، فنُغْنيها ولا نُشوِّهها ونُشوِّهُنا بفسيفساءِ كلماتٍ أَجنبيةٍ لها أُصولها العريقةُ في اللغة الأُمّ.