تَـنـطوي اليوم سنة 2014 باحثةً عن مأْوى يأْخُذُها إِلى النسيان، هي التي يَجدُرُ أَن تَحملَ عنوان “سنة الضحايا”.
وبالضحايا لا أَقصُد فقط من استُشهدوا أَو قُـتلوا أَو خُطِفوا أَو احتُجزُوا، بل المرشَّحين يومياً لهذا القدَر اللعين.
فباستبيانٍ سريع لأَحداث 2014 يتبيَّن كم ضحيةً سقطَت قتلاً بعد تعنيف، وكم ضحيةً سقطَت صريعةَ حادث سير.
أَكتفي بهذين القدَرَين كي لا أُطيلَ فيكونَ كلامي نعياً مجانياً.
قانون حماية النساء من العنف الأُسري أَقـرَّه المجلس النيابي كما هو: من دون مناقشة، من دون التوجُّهات الأَساسية، من دون تعديلات تتعلَّق بحماية المرأَة من العنف والتعنيف، ومن دون تجريم الزوج، وما زلنا نَشهَد بين يومٍ وآخَر حادثاً بعد آخَر لزوجةٍ عنَّفها بَعلُها حتى الموت، أَو أَطلَق عليها حقْده حتى الــرَّمَق الأَخير، أَو لَطَمَها أَو ضرَبَها أَو انهال عليها حتى الغيبوبة.
ماذا يَحصل بعدئذٍ؟ أَحياناً يُخلى سبيلُ البَعل، وأَحياناً يُسجَن أَو يَحتجَز موقوفاً في انتظار البتّ بأَمره. وفي جميع الحالات لم نَشهَد بعدُ عقاباً يردَع أَيَّ بعلٍ آخَر عن ارتكاب فعْلٍ آخَر في مكانٍ آخَر لسببٍ أَو لآخَر.
وفي الأَمن المروري، ما زلنا نُصدَمُ بحادثِ سيرٍ يَقتُل مَن سبَّب الحادث أَو ضحيةَ مَن سبَّب الحادث، وفي الحالَين ما زلنا مُرَشَّحين يومياً أَن نُصْدَمَ بخبرٍ آخَر عن حادثٍ آخَر في مكانٍ آخَر لسببٍ أَو لآخَر. ولا يكون من حصيلة الحادث إِلا لوعةُ الأَهل وتهافتُ كاميرات الصحافة والتلـﭭـزيونات لتصوير حُطام السيارة أَو لتحقيقٍ إِعلاميّ عن كيفية حصول الكارثة، والتمنّي أَن تَعمَدَ الدولة إِلى الحزم في التشدُّد، والسهَر على أَهليّة الطرقات، ومراقبةِ السرعة، ومعاقبةِ سائقين رُعَناء يـَمُوتُون أَو يُـميتون، وينطفئُ لهيبُ الحادث في انتظار اشتعالِ لهيبٍ آخَر في حادثِ سير آخَر.
لا أُريد هنا أَن أَكونَ صوتاً آخَر بين منتقدي تقصيرِ الدولة التي باتَت مكسَر عصا المنتقدين من كلّ نوع ولكلٍّ دافعُهُ الـمُحِقّ. لكنَّ هذه الأَحداث أَندَرُ وأَقَلُّ في بلدٍ آخَر يتهيَّبُ فيه المواطنون حَزمَ الدولة وصرامةَ عِقابها وتطبيقَ قانونِها ورهبةَ قضائها، ويتردَّدون في الفعْل خشيةَ عاقبة العقوبة.
وإِذا حملةُ الأَمن الغذائيّ والصحّيّ أَخيراً فعلَت فعْلها في التنبيه والتحذير وفَــرْض هيبة الدولة قانوناً وعقوبةً وزجْراً وإِقفالاً بالشمع الأَحمر والإِجراء الأَحمر، فلماذا لا تَفرضُ الدولةُ الأَمنَ التعنيفيَّ على الـمُعـنِّــفِين، والأَمنَ الـمُروريَّ على الـمُخالفين، فلا نرى على الطرقات سائقاً من دون حزامِ أَمان، ولا سائقةً تُمْضي “صُبحيّة” خَلويَّة وراء المقود، ولا سُرعةً جنونيةً تَقضي على صاحبها أَو على مَن في الطريق.
وإِذا كان لا بُـدَّ من معايدةٍ في السنة الجديدة، فأَنْ تكونَ 2015 سنةَ القانون الحازم الحاسم الرادع، وسنةَ استرجاعِ الدولةِ هيبتَها فتردَعُ الناس، كما لدى دُوَل العالم التي فيها فعلاً… هيبةُ دولة.