نقطة على الحرف- الحلقة 1183
الأَقلُّ أَهميةً يَستقطِبُ الأَكثر اهتماماً
الأَربعاء 24 كانون الأَوّل 2014

          مع نهاية العام، ككُلّ عام، تَكثُر الأَبحاث في الــ”أَكثر” طيلةَ العام المنصرم: الأَكثرُ مشاهدةً، الأَكثرُ قراءةً، الأَكثرُ سَماعاً، الأَكثرُ تفاعُلاً،… إِلى آخر لائحة الــ”أَكثر” التي يُقْبِل على متابعتها الناسُ في فُضول. ومع انتشار الفضاء الافتراضي بات الأَمرُ أَوسعَ انتشاراً وأَسهلَ مراقَــبَــةً بفضل عَـدَّادٍ يَضعُه أَصحابُ المواقع الإِلكترونية لإِحصاء زوّار الموقع.

          وتتفاوَت دوافعُ الزيارات بين الحدَث أَو الشخص أَو النجم أَو طرافةِ الشريط أَو الصورة أَو الخبر. وغالباً لا يكون الرقم المرتفِع دليلاً على أَهميةِ الحدَث ولا فرادةِ الشخص ولا إِبداعِ النجم ولا حتى طرافة المعروض.

          فأَكثرُ ﭬــيديو مرئيٍّ سنة 2014 على الـ”يوتيوب” استقطبَ 113 مليون مشاهَدَة، مع أَنه بسيط حتى السذاجة إِذ رَكَّب أَحدُهم على ظهر كلبه جسمَ عنكبوتٍ مضخَّماً وأَفلت الكلب بين الناس في بعض الأَماكن فأَثار ذعرهم وهربوا منه. هذا كلّ ما في الأَمر، ولا تبرير آخر لــ”نجاح” هذا الفيلم من 3 دقائق و58 ثانية سوى نقْزة الناس وذُعرِهم وهربِهم إِلى الوراء.

          وكذلك الراهبة الإِيطالية كريستينا سكوتْشيا التي فازت في برنامج “ذو ﭬــويس” (The voice) استقطبَت 66 مليون مشاهَدَة، وكلُّ ما في الأَمر أَنها راهبةٌ ذاتُ صوتٍ لافت وشاركت في برنامج لِهُواة الغناء.

          وفي قراءة المواقع الإِلكترونية كشَفَ محرِّكُ البحث “غوغل” أَنّ عبارة “كأْس العالم 2014” استقطبَت مليارَيْ عملية بحث لمتابعةِ هواةِ “مونديال البرازيل” نجومَهم في ما وجده العارفون “أَكثرَ حدَث رياضيّ في التاريخ تم البحث عنه إِلكترونياً”، ما يدلُّ على اهتمام الناس بالرياضة في شكل متنامٍ لا تؤَثِّر فيه أَحداثٌ ولا حوادثُ تجري في العالم.

وتَمَّ تسجيل ملايين عمليات البحث عن الممثل الأَميركي روبن وليامز لدى انتشار خبر وفاته، ما يدلّ على اهتمام الناس بنُجومهم السينمائيين أَكثرَ من اهتمامهم بــﭭــيروس إِيــبــولا (Ebola) الذي حلّ رقمُه ثالثاً بعد المونديال ووفاة وليامز.

          وقرأْتُ أَمس في موقع “النهار” الإِلكتروني عن “أَكثر عشرين موضوعاً” أَقبلَ الناس على قراءتها، فَحَلَّ في الطليعة “تنظيم داعش”، تلاه موضوع السوريّ الذي دخل صيدلية لبنانية يَطلُب حبوب ﭬــياغرا، وحلّ بعده موضوعُ اغتصابٍ أَثار جدلاً، ثم مواضيع قتل بعض الصبايا والزوجات، إِلى مقالات الفلك والأَبراج والمتابعات السياسية، وهذه تدلّ على نوعية اهتمام الناس بالأَخبار الآنية والأَحداث الطارئة والطُرَف العابرة، يُقْبلون على متابعتها فُضُولاً أَو تَـقَـصِّياً أَو تَـمَتُّعاً للَّهو المجاني.

          ويلفتُ جداً أَنّ خبَراً نشَرَه موقعٌ إِلكتروني عن “مبدعين لبنانيين بَرَزُوا في العالم سنة 2014″، لم يستقطِب سوى عشراتٍ ضئيلة، ولا علَّق أَحدٌ عليه في الخانة المتروكة لتعليقات زوّار الموقع، ما يدلّ على أَنّ الإِبداع العلمي أَو الأَدبي أَو الثقافي لا يستأْثر باهتمام الكثيرين فيما الأَقلُّ أَهميةً يستقطبُ الأَكثرَ اهتماماً.

          هذا مُؤَشِّرٌ على مستقبَل العالم من خلال ما يَهتمُّ له الناس اليوم بما يتلَقَّونه من مواقعَ معظَمُها تَسْلَويٌّ نافل، ومن برامج تلــﭭـزيونية يُمضون سهراتٍ طويلةً في مشاهدتها ومُعظمُها ترفيهيٌّ تسلَويٌّ خفيفٌ أَقربُ إِلى السذاجة منه إِلى التسلية المفيدة.

          فإِلى أَين يَذهبُ العالم؟ وما معيارُ القيمةِ الرصينةِ في ما يذهب إِليه؟

___________________________

http://claudeabouchacra.com/?p=13563#more-13563