قبل أَيام أَعلنَت منظَّمةُ الأُونسكو رسمياً إِدراج الزجل اللبناني على اللائحة التمثيلية لــ”تُراث البشرية الثقافي غير المادي” وهو أَول عنصر لبناني من هذه الفئة يدخل “اللائحة”، بعد 30 سنة (1984) على خمسة مواقع من لبنان (بعلبك، عنجر، بـيـبـلوس، صور، وادي قاديشا) دخلَت لائحة “التراث العالـمي الثقافي الطبيعي”.
هي ذي منارةُ لبنان تَشُعّ من جديد، وهذه الـمرّة بــنُور الزجل، هذا الفن اللبناني العبقري الـمُكتَنِـز إِرثاً شَفَوياً غنياً ينتقل إِلى العالـمية من حيّزه الـمحلي مع أَفراد موهوبين يُلْقونه في مناسبات مـحليّة، أَو مع جوقة زجلية تُغنّيه على منبر ضئيل في ضيعة، بلدة، دسكرة، أَو في بضعةٍ من كُـتُبٍ تَصدَح مضموناً وتتلعـثَم شكلاً وكتابةً بالأَحرف العربية الجميلة.
هذا التراث الشفوي أَقـرَّت الأُونسكو البحث عنه سنة 1990، وأَطلقتْه لـ”حفظ إِرث البشرية غير المادي، الحيّ أَو الـمهدَّد بالزوال”، في “اتخاذ التدابير الضرورية لتأْمين استمراره وانتقاله من جيل إِلى جيل”. وبين 2009 و2014 سجَّلَت الأُونسكو 314 عنصراً على هذه “اللائحة التمثيلية للبشرية”، معلنةً قبل أَيام (بقرارها رقم 9/10-25) دخول الزجل اللبناني، معرِّفةً إِياه للعالم أَنه “نوع من الشعر الشعبي اللبناني الـمُلْقى أَداءً أَو الـمُغنَّى تأْديةً، فردياً أَو جماعياً، في مناسباتٍ اجتماعية أَو عائلية، وفي مبارزات شعرية مباشرة أَمام الجمهور، تتجلّى فيها جمالات لبنان وما فيه من سَماحٍ وحوار بين الأَديان والفئات اللبنانية والحقّ في الاختلاف”. وتشدِّد الأُونسكو أَنّ الزجل اللبناني “صمَّامُ أَمان ذو دور رئيسٍ في المساعدة على تمتين التماسُك الاجتماعي”. وفي ختام القرار أَن “الزجل اللبناني منتشِر على جميع الأَراضي اللبناني، وهو يُسهم في تنصيع الهوية الثقافية واستدامتِها بين صفوف الشعب اللبناني”، وبهذه الصفة أَدخلَتْه الـمنظمة إِلى “التراث الحي في دول الأَبـيـض المتوسط”.
هذا الفنُّ الذي يتفرّد به لبنان دون سائر الشرق (والغرب طبعاً) لـما فيه من عبقريةِ ارتجالٍ، ووفرةِ أَنواعٍ، وتعدُّد أَوزانٍ، وإِبداعاتِ شعرائه منذ مطالع القرن العشرين وغنى آثارهم المطبوع بعضُها والمسجَّل صوتاً أَو بالصورة أَيضاً بعضُها الآخَر، جاء دخولُه العالـميةَ حافزاً للالتفات إِليه في مناهجنا التربوية الرسمية، مأْخوذاً من نتاج شُعرائه، ومن نماذجَ ناصعةٍ زادت من انتشاره أَظهَـرَ كنوزَها الأَخوان رحباني في أَعمالهما بصوت فيروز وحواراتها مع وديع الصافي ونصري شمس الدين، مادةً ركيزةً في الاختيارات ليَدخُل هذا الإِرثُ اللبناني الجميل إِلى صفوف أَجيالنا الجديدة، تكـتـنـزُه مثلما تَـنشأُ أَجيالٌ في العالم على تراث بلادها الحي الجميل.