هل كان يلزمنا انتظارُ وقوعِ الكارثة الوطنية حتى يدعو رئيس مجلس النواب اللجانَ المشتركة لدراسة قانون سلامة الغذاء؟
هل ضروريٌّ أَن تضرب المأْساةُ ضحاياها كلَّ مرة: طوفان طرقات، فيضان فضائح، … حتى تلتئم اللجان النيابية لتدرُس وتعالج وتناقش وتنظِّــر وتُـقَــرِّر؟
وماذا إِذَنْ يفعل “أَصحاب السعادة” حين يجتمعون، إِلاّ إِذا اجتمعوا كي يُـمَدِّدوا ولايتهم؟
مشروع قانون سلامة الغذاء للنائب الشهيد باسل فليحان في أَدراج أَعضاء اللجان النيابية المشتركة منذ عشر سنوات، ولم يُقرُّوه حتى اليوم. قانون حماية المستهلك أَقَـــرُّوهُ سنة 2005 ولم يستكملوا مراسيمَه التطبيقية بَعد. محكمة حماية المستهلك أُنشئَت بالمادة 97 من القانون نفسه سنة 2005 وهي معطَّلة ولم تجتمع مرَّةً واحدة رغم تَشكيل أَعضائها وتَعاقُب القضاة على رئاستها. المجلس الوطني لحماية المستهلك أُنشِئَ بالمادة 60 من القانون نفسه في السنة نفسِها برئاسة وزير الاقتصاد لكنه لا يجتمع ولا يَحمي أَيَّ مستهلِك.
هل كان لازماً أَن يكشفَ وزير الصحة مثالبَ المؤَسسات ويفَضْحَها ويُشـهِّـرَ بها على الملإِ الأَوسع حتى تتحرَّكَ الدولة إِلى المعاقبة واتِّخاذ الإِجراءات الحاسمة القاصمة؟
أَلم يكن أَفضلَ أَن يتمَّ ذلك مباشرةً مع تلك المؤسسات بِـمُعاقَبَتها وإِقفالها حتى تُطابقَ المواصفات المطلوبة وبدون نَشْر هذا الغسيل على سطوح المؤْتمرات الصحافية والمقابلات التلـﭭـزيونية والتصاريح الصحافية فَتَتَنَاوَلُه مواقع التواصل الاجتماعي وتنشُرُه على الملايين صُوَراً وﭬــيديُــوات، وتَصدُر “الواشنطن ﭘــوست” الأُسبوع الماضي بمانشيت مُـخْجِلَة عن “فساد الدجاج والمازة في لبنان”، بينما في مقدِّمة المقال نفسِه أَنّ “المطبخ اللبناني كان الأَشهر والأَشهى في كلّ العالم العربي”؟
أَهذه هي الصورة التي نريد نَقْلها عنا إلى العالم؟
في كلّ بلدٍ فسادٌ في شؤُونٍ ومواضعَ تعالجُها الدولة مباشرةً مع المخالفين والفاسدين والجَشِعين، تعاقِبُهُم وتُعيدُهم إِلى مطابقة المواصفات، فلا سائح يَخشى ولا سياحةَ تُضرَب ولا اقتصادَ يهتزّ، ويبقى المواطنون والزوّار والسياح على اطمئنانهم بدون الدَّوَران والدَّوَخان في وَغْوَغَاتٍ منفَلِتة من كلّ رادع تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مثلما تنتشر حالياً أُغنية من الصين استقطبَت ملايين الإِنترنتيين تغنّيها وَغْوَغَاتُ دَجاجاتٍ وأُوزَّات وبطّات وحيواناتُ المزرعة، لا تُفهم منها نغمةٌ ولا كلمة، ليس فيها سوى وَقْوَقَاتٍ وزَعْـوَقَاتٍ ونَقْنَقَاتٍ فوضوية تقفز معها هذه الحيوانات بلا تنظيم ولا ترتيب، وهي تردِّد كلمة واحدة “تشيك تشيك”.
وبين صرخات “تشيك تشيك” التي لا معنى لها، وصرير الدَّجاجات بلا كلمات مفهومة، تَخلُق هذه الأُغنية كابوساً مزعجاً قائماً على تكرار كلمةٍ بلا معنى انـتَـشَــرَت بين الملايين في العالم.
هذه الأُغنية الصينيّة تُشبه الوضع عندنا تماماً: بَبَّغائياتٌ مُتَمْتَمَة مُكَرَّرَة ، وصرخاتُ “تشيك تشيك” فارغةٌ من كل معنى.
فهل بلَغْنا بـفوضانا في لبنان هذه الوَقْوَقَات: لا مَن يَـفْهَم، ولا مَن يُـفْهِم، ولا مَن يَستـفْهِم، ولا مَن يتـفَهَّم، ولا من يَـتَـفاهَم؟
دَورُ الدولة أَن تُنذر الـمُهْلِك لا الـمُستهلِك.
الـمُهْلِك هو مُسبِّبُ الفساد، والـمستهلِك هو الذي يَأْكُــل الدَّجاج و… يَـــقَع في السِّــيَــاج.