أزرار- الحلقة 863
تَسامُح وغُفران
السبت 18 تشرين الأول 2014

 

          الحلقة التلـﭭـزيونية الأَميركية التي تَهَجَّمَ مقدِّمُها بِيلّ مَاهْر على الإِسلام ناعتاً إِياه بـ”الإِرهاب وتصدير الأَفكار الشرّيرة” (“أَزرار” الأُسبوع الماضي-862) لا تزال تتفاعل.

بين آخِرِها استنكارُ مستشار دار الإِفتاء في مصر واتّهامُه “الإِعلام الغربي بمعاداة الإِسلام والمسلمين”، واقتراحُهُ “إِنشاء مرصد يتابع الإِساءات ضدّ الإِسلام والمسلمين، ويردُّ على ما فيها من أَكاذيب”.

          لا أَعرف إِن كان “الاقتراح” إِفتائياً أَو أَزهرياً أَو فردياً لكنه دون المطلوب لنقْل الإِسلام إلى أَذهان مَن يجهلون جوهره الناصع.

          القيَم الدينية لا تُبنى على الردود الآنيّة ولا على ردود الفعل. تُبنى على الفِعل. الآراء النابعة من جهْل أَيِّ دينٍ لا تكون معالجتُها بالردّ الانفعالي ولا حتى الراديكالي بل بنشر مبادئ الدِّين وإِيصالها إِلى الأَجانب في لغاتهم وإِلى أَبناء لغاتها في منطِقهم.

          نَشْرُها وإِيصالُها، قلْتُ، لا “الرّدّ” على منتقديها. وهذا النشْر لا يكون من المجتمع المدني ولا من أَفراد معنيّين بل من المنابع ذاتها المفترض أَنها القيِّمة على الدين (بابوية أَو بطريركية أَو أَزهرية) بالوسائل المتاحة لتلك المنابع إِعلاماً أَو منابر أَو منشوراتٍ أَو أَيّ سبيل آخر ليس من شأْننا نحن البحثُ عنه أَو النُّصحُ به.

          ولا يحتاج الدِّين إِلى دفاع بل إِلى إقناع في أَذهان الناس الموجود من أَجلهم.

          هي ذي “سورة المائدة” في القرآن الكريم: “إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيم” (الآية 118)، وهي ذي في السورة ذاتها: “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان” (الآية 184).

          وهي ذي في إِنجيل متى: “لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَو الأَنْبِيَاء. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّل” (17:5)، وفي الفصل ذاته: “أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تَخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل” (14) أَو “فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ قُدَّامَ النَّاسِ كَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَة وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَات” (16).

          ما الذي ينقُص؟ نَقْل هذه الآيات إِلى الناس كي يُعاينوا صوت الله في كُتُبه، ينَظّم الحياة الاجتماعية قبل الروحانية كي يستكينَ الناس في ما بينهم، ويَنْهَدُوا بعدها إِلى ربّ العالمين أَنقياء من البغضاء والشحناء، ويفهموا أَن الدينَ الإِسلاميّ تَسَامُحٌ والدينَ المسيحيّ غفْران، وهذان لا يحتاجان دفاعاً عن هجوم بل نشْراً وسيعاً فيصطلحُ الناس ويصطلحُ المجتمع.

          الدينُ ليس في حاجة إِلى محامين عنه. مُرافعَتُه في آياته. حُجَجُه في تعاليمه. فما على المبشِّرين به إِلاّ نَشْرُه وإِيصالُه.

          وكلُّ ما عدا ذلك تَدبيرٌ زائلٌ لا يخدُم الجوهر. ولا هو من الدِّين.