ذهبَتْ جائزة نوبِل للاقتصاد أَمس الأَول إِلى الباحث الأَكاديمي الفرنسي جان تيرول (من جامعة تولوز) على بحثه “تحليل قدرة الأَسواق قياساً على تنظيمِها ودراسةِ ضبْطها واستبيانِ حاجاتها والعملِ على تلبية هذه الحاجات”، وعلى مجموع مؤَلّفاته وفي طليعتِها كتابُه الشهير “حماية التوظيف وآليات التسريح”. لجنةُ الجائزة اعتبرتْه “أَحد أَكثر الاقتصاديين تأْثيراً في عصرنا”، ونوَّهَت بإِسهاماته الرئيسة في عدَد من القطاعات، خصوصاً بنجاحه في إِيجاد حُلولٍ لفهْم القطاعات ومعالجة مشاكلها وَفْقَ حاجات مجتمعاتها.
وذكَّرَت اللجنة بكتاباتٍ ودراساتٍ وكتبٍ لـجان تيرول حدَّد فيها فهْمَ السياسات الخاطئة وكيفية معالجتها في قطاعات تمتدُّ من المصارف إِلى الاتصالات، فتتمَكّنُ الحكومات من استدراك قطاعاتها العليلة بعلاجاتٍ مناسبة تُعيدُها إِلى العمل الطبيعي والإِنتاج المطلوب، باتِّباع سياسةٍ رشيدةٍ تَقيها الوُقوعَ مجدَّداً في المرض وتُغذّيها إِلى مُستوياتٍ تنافُسية لـصالح المستهلِك.
ما أَشدَّ حاجتَنا اليومَ إِلى هذا الرجُل في لبنان يَدرُس قطاعاتنا المريضة، وما أَكثرها، ويَجدُ لها حلولاً تُعيدها إِلى العمل وتُنقِذ شَعبَنا من القهر والإِهمال والشعور بأَنه متروكٌ لقَدَره لا قُدْرةَ له إِلاّ شتْم الدولة والاتّكال على قدراته الذاتية.
بل ما أَشدَّ حاجتَنا إِلى “النَّوابيل” (حاملي جائزة نوبِل) كي يُنقذُونا مما نحن فيه.
فنحن في حاجةٍ إِلى نوبِليّ ينقذ لنا قطاع الاتصالات من التخلُّف التقني الذي يُبقينا في القرون الوسطى.
ونحن في حاجة إِلى نوبِليّ يعالج لنا مشكلة الكهرباء الفريدة عندنا عالمياً في بلدٍ، بعدَ عشرين عاماً على خروجه من الحرب، لا يزال يعيش على التقنين وانقطاع الكهرباء لأَن جهابذة القطاع لم يجدوا له حلولاً بَعْد.
ونحن في حاجة إِلى نوبِليّ يجد الحلّ لسلسلة الرتب والرواتب لأَن في لِـجَان ساحة النجمة مَن لم يستطيعوا بعدُ أَن يَجترحوا مواردَ تغطّي السلسلة كي يُقرّوها، لذا يؤَجّلون من جلسة إِلى جلسة كي يستكملوا حَصْر دماغهم في الدرس.
ونحن في حاجة إِلى نوبِليّ يَستدركُ إِمكانَ أَن يكونَ عندنا شَحٌّ في الموسم المقبل إِنْ لم تأْتِ المتساقطات بالحجم المأْمول، وإِلاّ سنقع في مشكلة انقطاع المياه وتسَلُّط الصهريجيّين على الشعب الـمَـتَـصَـهْـرَج غصباً عنه.
لن أُكملَ التعداد، فشعبُنا يعرف مشاكلنا أَكثرَ مني.
يكفي ما نسمعُه كلّ يوم من هذه الجهة أَو تلك مهدِّدَةً بقطْعِ الطريق أَو الإِضرابِ أَو الاعتصامِ أَو نَصْب الخِيَم، لنَعرفَ كم قطاعاً عندنا يعاني ما يعانيه ولا وصول له إِلى حقوقه أَو حاجاته إِلاّ بتهديد الدولة.
ما أَتعسَ أَن تُـمسي دولةٌ بلا حلول فتطرحَ الصوتَ على الدُّوَل حين تَدْهَمُها مشكلة، وتَستعينَ بدُوَل “مانحةٍ” كي تَقترضَ أَو تَستدينَ أَو تستجدي نقْدياً أَو عينياً أَو معدَّاتياً.
وما أَتعسَ أَلاّ تكونَ لدينا حُلولٌ فنَلجأَ إِلى”نوبِليّ” أَو “نَوَابيل” كي يَجدوا لنا الحُلول.
غير أَنني أَخشى، إِذا أَتَوا، أَن يصيبَهم ما أَصاب السياسيّ والاقتصاديّ البلجيكيّ ﭘــول ﭬــان زيلِنْد حين استضافَه لبنان سنة 1948 كي يَدرُس الإِصلاح الاقتصاديّ في لبنان، فصَدَمَهُ الفسَاد في القطاعات وختَم تقريرَه: “لا أَفهَمُ كيف يَسيرُ الاقتصادُ في هذا البلد. لا أَملَ له في أَيِّ إِصلاح. أُتركُوا بلَدَكم كما هو، فلن تَتَغَيَّرَ فيه هذه الفوضى”.
_____________________________________