نقطة على الحرف- الحلقة 1172
التربية على المُوَاطَـــنَـــة
الأَربعاء 8 تشرين الأَول 2014

          جاء وقتٌ كان بين أَيدي تلامذتنا كتاب “التربية المدنية” لِـمادّة يُفترَض أَنها أَساسيةٌ في بناء المواطن الصالح. غير أَن معظم مدرِّسيها أَذَوْها بطريقة تدريسها حين راحوا يطلُبون من التلامذة حفْظَ مقاطعَ من فصول الكتاب غيباً لتسميعِها في الصف بَــبَّغائياً، فَـــكَــــرِهَ التلامذةُ المادّة وسرعان ما كانوا ينسون مضمونَها فور انتهاء العام الدراسي.

          اليوم تعودُ هذه المادة إِلى الطرح من جديد، على مستوى جامعيٍّ هذه المرّة، في مادة “التربية على الـمُواطَــنَــة” ضمن منهج إِعداد المعلّمين في كليات التربية وكلّيات أُخرى يمكن أَن تعطي هذه المادة حيّزاً رئيساً لِـما لها من أَهميةٍ في بناءِ مُدَرِّسٍ صالحٍ واعٍ متنوِّرٍ عليه أَن يُخَـــرِّج لاحقاً طلاّباً صالحين متنوِّرين واعين دورَهم في بناء الفرد فالـمُجتمع فالوطن.

          ويفاجئُ في هذا السياق غيابُ هذه المادّة التربوية الأَساسية من برامج معظم مؤَسسات التعليم العالي عندنا. وحتى التي تُدرِّسُها، لا تتَّبع نهجاً واحد في مادتها لأَنها لم تخضع لمعيارٍ واحدٍ مُوَحَّدٍ وضَعَتْه الدولة وفقَ تقارير خبراء في الشأْن والمادّة.

          فكيف يُمكن تدريسُ التربية على المواطَــنَــة حين الوطنُ يتغيَّـر بين مفهومٍ إِيديولوجي وآخَر، بين منظورٍ مذهبي وآخَر، بين نِظرةٍ سياسية وأُخرى؟ وكيف يُمكن ضبْطُ هذا الأَمر حين سُلوكياتُ التطبيق تخـتلف كلّياً عن سلوكيات المبادئ والنظريات والأَكاديميات؟

          وما الذي يحصل عندما يتابع المواطن سلوكياتِ سياسيين يُفترض فيهم أَن يُعطوا المثال الصالح لسلوكيات النظام، فإِذا هُم مَن يَـخرقونها بسُلوكياتٍ وتصرفاتٍ وأَعمالٍ وإِجراءات لا تُخالف المفروضَ وحسْب بل تَعصى كلَّ مبدإٍ مُواطني وصولاً إِلى غاياتهم الشخصية والشخصانية والتعــنُّـــتــيــة والعنادية والمتصلِّبة بمواقفَ تخدمُهم هُم ولا تَخدم الوطن؟

          المواطَــنَــةُ تبدأُ من وضع المواطن طاقاتِه في خدمة الوطن، انطلاقاً من النِّظرة الواحدة إِلى الوطن الواحد، لا انتماءَ إِلاَّ إِليه، ولا ولاءَ إِلاّ له، ولا وفاءَ إِلاّ لدَولته واجباتٍ وحقوقاً.

          فهل المواطنُ اللبناني اليوم يؤْمن بدولته ومسؤُوليها؟ وهل سلوكياتُ هؤلاء مقْنِعةٌ لصالح الوطن كي يتمثَّل بها المواطِن؟

          كتبْتُ مراراً إِن الفرقَ شاسعٌ بين رجُل السياسة ورجل الدولة: هذا يعمل على أَنه هُو في خدمة الدولة، ورجُل السياسة يعمل على أَنّ الدولة في خدمته. فكيف نُقنع المواطن بأَن هذا السياسي مثالُه الأَعلى كي يقتدي به؟

          التربيةُ على المواطَـــنَــة تبدأُ من إِقناع المسؤولين بتَدَاوُل السلطة لا في ما بينهم بل بين المؤهَّلين من أَبناء الوطن، ولا بتوارُث السلطة من جَــدٍّ إِلى ابن إِلى حفيد، كأَنّ المواطنين قطيعٌ ينصاع لِـمَن يحكُمه أَياً  كان مَن يحكُمه.

          التربيةُ على المواطَــنَــة مبدأُها أَن الوطن مُلْك الجميع، وتالياً كلُّ مواطن مسؤُول، فكيف تَصُحُّ المواطَــنَــةُ حين يرى المواطنون أَنّ وطنَهم ليس مُلْكهم بل في قبضةِ بضعةٍ من سياسيين يتولّون شؤُونَه منذ عقود، تَوَارَثوها ويزاولونها ويُوَرِّثونها أَبناءَهم، وما على المواطنين إِلاّ الانصياعُ والتهليلُ والتعيــيشُ والسيرُ في ما قَدَّرَ لهم توارُثُ الحكام على حُكْمهم؟

          التربيةُ على المواطَـنَـة تبدأُ من السنوات الدراسية الأُولى، وجيلاً بعد جيل تنمو المواطَــنَــةُ في عقول المواطنين الجدُد صحيحةً سليمةً معافاةً مُهَيَّأَةً لتبْني الوطنَ على أُسسٍ متينةٍ فلا يعودُ شعبُه قطيعاً يَسُوسُه بضعةُ سياسيين، ولا يعود عشيرةً ينتمي فيها الناس ببَّغائياً إِلى زعماء العشيرة.

_____________________________

http://claudeabouchacra.wordpress.com/2014/10/11/