أزرار- الحلقة 853
بين “نُـون” الباب و”نُـون” الكتاب
السبت 2 آب 2014

 

          الذين وَسَموا بُـيُوت النصارى في الموصل بحرف الـ”نون” قاصدين الحرف الأَول من “نصارى” أَو الأَخير من “مسيحيين”، هل هُم حقاً أَبناءُ “نون” القرآن الكريم؟

          هل صدقاً يعرفون سُـوَرَ كتابهم الشريف؟

هل فعلاً يُصَلُّون فيه الثامنةَ والستين المكِّيَّة والـمَدنيَّة معاً (“سورة القلم”) بآياتها الاثنتَين والخمسين؟

          هل حقاً يَعُون مطلَعها: “ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ، مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُون”؟ وهذا الجنون الذي يلفُّهم وبرُعبه يلُفُّون نصارى الموصل هل هو مما نشأُوا عليه وبه يُؤْمنون؟

          وآيتُها “إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ”(7) هل يطبِّقونها حين ينهالون على مسيحيّي الموصل تهجيراً وإِرعاباً وتكفيراً خِلافاً كلّياً لـما جاء في الـمُصحف أَنْ “لا إِكراه في الدين” (“البقرة” 256)، أَو “فمن شاءَ فلْيؤْمن ومن شاء فلْيكفُر” (“الكهف” 29)؟

          وهل يفقَهون السُّمُوَّ في آيَــتَـيها “إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ… أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ؟” (34 و35) حين يحتجزون عذارى المسيحيات في الموصل هِبَةً لـ”جهاد النكاح”؟

          كيف يقترفون أَفعالهم في وحشيةٍ بربرية ولا يَعُون قوله تعالى في السورة ذاتها: “قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31)”؟ وما يأْتونه من طغيانٍ في الموصل ويَعِدُون بأَن يأْتوه بعدُ من إِحراق منازل وتدمير معابد وتفجير كنائس وجوامع وأَضرحة أَولياء، هل يتّفق والدين الحنيف الذي نَهاهُم صارماً عن كلّ ذلك؟

وهذا الاغتيالُ الجماعيُّ كما في أَشد ظلمات التاريخ الهولاكي، كيف لا يرتدِعون عنه أَمام صوت رب العالَـمين: “وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا”؟ (النساء 93).

من “الربيع العربي” إِلى “الهولوكوست العربيّ/العربيّ”: أَيُّ مصير مأْساوي فاجع لـمسيحيّي الموصل المشرَّدين إِلى كل أَرض طالبين اللجوء والإِيواء؟ أَيهربون إِلى المجهول؟ أَينعطفون على بعضهم بعضاً ويواجهون الموت الجماعي كشهداء المسيحية في القرون الأُولى؟ وإِذا قاوموا وظلُّوا في بيوتهم ذات الـ”نون” على الأَبواب، كيف يعيشون؟ ما الذي يأْتيه المجتمع الدولي غير بيانات الاستنكار والدعوات (كما فرنسا) إِلى استقبال الهاربين؟

ها نحن من جديد، والقرنُ حادٍ وعشرون، أَمام جاليةٍ أُخرى هاربةٍ على دروب الشتات، مهدَّدةٍ بالذَّوبان حاملة لعنة حرف الـ”نون” على بابها.

وبين “نون” الباب و”نون الكتاب”، بين “نون” السورة الثامنة والستين الآمنة و”نون” الداعشيين الكافرة، يَشهد العالم طَـفْرةً بربريةً يَـنهى عنها الدين في كتابه الذي يُشوِّه تعاليمَه ضالُّون من أَبنائه عنهم بالذات أَطلق الإِمام محمد عبده صرخته التاريخية: “الإِسلام مَـحجُـوبٌ بالـمُسلمين”.