متابعو “الـمونديال” يعرفون حتماً قواعدَ اللعبة: أُصولَها وسُنَنَها، وطبعاً مخالفاتِها وأَخطاءَها.
من هذه الأَخيرة: الـ”فَاوْل” وهي كلمة إِنكليزية معناها القاموسي “عملٌ رياضي غيرُ شرعيٍّ أَو غيرُ قانوني” يرتكبه لاعبٌ بـحَقِّ زميل له على أَرض الـملعب. وعند حُصول الـ”فَاوْل” يوقِفُ الـحَكَمُ اللَّعِب، يضع الكُرَةَ في نقطة حصول الـ”فَاوْل”، ويطلب إِلى لاعبٍ من الفريق الخصم الـمُصاب بالـ”فَاوْل” أَن يرفس الكُرَةَ صوب الشبكة، ولا يحقُّ للفريق مرتَكِبِ الـ”فَاوْل” أَن يَـمَسّ الكُرَةَ حتى تنطلق إِلى هدفها من اللاعب الآخر.
هنا نحن إِذاً أَمام شبَكَتين متضادَّتَين وفريقَين خَصمَين بلاعِــبِــين يترافسون الكُرَةَ كلٌّ صوب الشبكة المضادّة.
ذَكَّرَني هذا السيناريو بـما يحصل عندنا راهناً على الملعب السياسي. السيناريو ذاتُه تماماً: موقفان متضادّان وفريقان خصمان، يتمسَّكُ كلُّ فريقٍ بـموقفه الـمُعانِد يصوِّبُهُ إِلى الهدف الـمُقابل ليُسجّل في شبكة الخصْم نُقطةً يتعصَّب لها ويقِف عندها ولو أَدّى عناده إِلى تعطيل دورة الحياة في البلد.
الـ”فَاوْل” قلت؟
لكنه “فَاوْل” ليس تَسْلوياً ولا رياضياً بل مأْساويٌّ لا يوقِفُ لعبة الملعب بل يوقفُ دورة الوطن على أَرض الوطن لشعبٍ يئنُّ من أَلَـمٍ وأَسفٍ وأَسى وخوفٍ وقلقٍ وحزن، ومن غضبٍ ساخطٍ على لاعبين يتجاذبون المواقف والتُّهَم: مرةً برواتب الموظفين، مرةً بالموازنة العامة، مرةً بسلسلة الرتب والرواتب، مرةً بمستقبل الطلاب المنتظرين تصحيحَ امتحاناتهم، مرةً بالانتخابات الرئاسية، مرةً بالأَمن في البلد، مرةً بوضع المياه الـمبلوعة، مرةً بوضع الكهرباء الـمقطوعة، والحَكَم يَصفِر وليس من يسمع، والـ”فَاوْل” يتبع الـ”فَاول” وليس من يُحاسب، وملعبُ الوطن اختلطت فيه المواقف والمواقف المضادة، واللاعبون “المعطِّلون” متشبِّثون بمواقفهم وبــ”فَاوْلاتهم” المتكررة، والشعب لا يُصَفِّقُ بل يَصْفِق قدرهُ لاعناً هذا الزمن الذي بلغَهُ الوطن مع فريقَين سياسيَّين يؤَدِّيان بالوطن لا إِلى الحلول والوصول بل إلى الحؤول والوحول.
للسياسةِ وقيادةِ الوطن، كما للرياضة، قواعدُ وأُسسٌ ونُظُمٌ وأُصول غير أَنّ للرياضة وازعاً ينظم قواعدَها وحَكَماً يَضبُط مخالفاتها، بينما السياسة عندنا مزرعةٌ في غابةٍ تبحثُ عمّن يَضبُط انفلات فريقَيها لإِرجاعهما إِلى فوز الوطن.
فأَنى لنا هذا الحَكَم؟ ومَن يُصغي إِليه؟ ومَن يحترم قواعد اللعبة وأُصولَها؟ وأَين يقف الجمهور من هذا الفريق أَو ذاك؟ ومِـمَّن ينتظر الفرجَ والخلاصَ من هذا المأْزق الذي يُودِي بالوطن وشعب الوطن إِلى المصير المجهول الفاجع؟
يا حبَّذا لو كان الملعبُ السياسيُّ عندنا كملعبِ كرة القدم: يَشهدُ اللاعبِين، أَياً كان الرابح، يتعانقُون حين تنتهي المباراة، وتبقى الكُرَة بينهم شاهدةً على روحِهم الرياضية. لكنَّ ملعبَ الوطن يشهد لاعبين مُعَطِّـلـين لا يترافَسُون كُرَةً بل يترافَسُون الشعبَ، والشعبُ مضروبٌ على رأْسه بين سياسيّين مُعطِّلين يتقاذفُونه إِلى شبكةٍ لم تَعُدْ شبَكةً بل باتت مَصْيَدةَ تعطيلٍ لعناد هؤلاء السياسيين.